كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

عليه وسلم باسم مشتق من صفته التي كان عليها تأنيسا له وملاطفة كما سمعت في يا أيها المزمل وتدثره عليه الصلاة و السلام لما سمعت آنفا وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد ابن المغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قال ماتقولون في هذا الرجل فاختلفوا ثم اجتمع رأيهم على أنه سحر يؤثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فحزن وقنع رأسه وتدثر أي كما يفعل المغموم فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر إلى قوله تعالى ولربك فاصبر وقيل المراد بالمدثر المتدثرة بالنبوة والكمالات النفسانية على معنى المتحلي بها والمتزين بآثارها وقيل أطلق المدثر وأريد به الغائب عن النظر على الإستعارة والتشبيه فهو نداء له بما كان عليه في غار حراء وقيل الظاهر أن يراد بالمدثر وكذا بالمزمل الكناية عن المستريح الفارغ لأنه في أول البعثة فكأنه قيل له عليه الصلاة و السلام قد مضى زمن الراحة وجاءتك المتاعب من التكاليف وهداية الناس وأنت تعلم أنه لا ينافي إرادة الصورة الحقيقة وأمر التلطف على حاله وقال بعض السادة أي يا أيها الساتر للحقيقة المحمدية بدثار الصورة الآدمية أو يا أيها الغائب عن أنظار الخليقة فلا يعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة إلى غير ذلك من العبارات والكل إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمدية من أنها حقيقة الحقائق التي لا يقف كنهها أحد من الخلائق وعلى لسانها قال من قال وإني وإن كنت ابن آدم صورة
فلي فيه معنى شاهد بأبوتي وأنها التعيين الأول وخازن السر المقفل وأنها وأنها إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى أعيا الورى معناه فليس يرى
في القرب والبعد منه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعد
صغيرة وتكل الطرف من أمم وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم فمبلغ العلم فيه أنه بشر
وأنه خير خلق الله كلهم وقرأ عكرمة المدثر بتخفيف الدال وتشديد الثاء المكسورة على زنة الفاعل وعنه أيضا المدثر بالتخفيف والتشديد على زنة المفعول من دثره وقال دثرت هذا الأمر وعصب بك أي شد والمعنى أنه المعول عليه فالعظائم به منوطة وأمور حلها وعقدها به مربوطة فكأنه قيل يا من توقف أمور الناس عليه لأنه وسيلتهم عند الله عز و جل قم من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم وجعله أبو حيان على هذا المعنى من أفعال الشروع كقولهم قام زيد يفعل كذا وقوله
عاما قام يشتمني لئيم
وقام بهذا المعنى من أخوات كاد وتعقب بأنه لا يخفى بعده هنا لأنه استعمال غير مألوف وورود الأمر منه غير معروف مع احتياجه إلى تقدير الخبر فيه وكله تعسف فانذر أي فافعل الإنذار أو أحدثه فلا يقصد منذر مخصوص وقيل يقدر المفعول خاصا أي فانذر عشيرتك الأقربين لمناسبته لابتداء الدعوة في الواقع وقيل يقدر عاما أي فانذر جميع الناس لقوله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولم يقل هنا وبشر لأنه كان في ابتداء النبوة والإنذار هو الغالب إذا ذاك أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير وفي هذا الأمر بعد ذلك النداء إشارة عند بعض السادة إلى مقام الجلوة بعد الخلوة قالوا وإليهما الإشارة أيضا في حديث كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف الخ وربك فكبر وأخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء والعظمة اعتقادا وقولا ويروى أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الله أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والأمر بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم غني عن الإستدلال وجوز أن يحمل على تكبير الصلاة فقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله كيف نقول إذا دخلنا في

الصفحة 116