كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
الصلاة فأنزل الله تعالى وربك فكبر فأمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن نفتح الصلاة بالتكبير وأنت تعلم أن نزول هذه الآية كان حيث لا صلاة أصلا فهذا الخبر إن صح مؤول والفاء هنا وفيما بعد لإفادة معنى الشرط فكأنه قيل وما كان أي شيء حدث فلا تدع تكبيره عز و جل فالفاء جزائية وهي لكونها على ما قيل مزحلقة لا يضر عمل ما بعدها فيما قبلها وقيل إنها دخلت في كلامهم على توهم شرط فلما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلم يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها لذلك ثم إن في ذكر هذه الجملة بعد الأمر السابق مقدمة على سائر الجمل إشارة إلى مزيد الإهتمام بأمرالتكبير وإيماء على ما قيل إلى أن المقصود الأولى من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عز و جل وينزهه من الشرك فإن أول ما يجب معرفة الله تعالى ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه والكلام عليه من باب إياك أعني واسمعي يا جاره وقد يقال لعل ذكر هذه الجملة كذلك مسارعة لتشجيعه عليه الصلاة و السلام على الإنذار وعدم مبالاته بما سواه عز و جل حيث تضمنت الإشارة إلى أن نواصي الخلائق بيده تعالى وكل ما سواه مقهور تحت كبريائه تعالى وعظمته فلا ينبغي أن يرهب إلا منه ولا يرغب إلا فيه فكأنه قيل قم فأنذر وأخصص ربك بالتكبير فلا يصدنك شيء عن الإنذار فتدبر وثيابك فطهر تطهير الثياب كناية عن تطهيرالنفس عما تذم به من الأفعال وتهذيبها عما يستهجن من الأحوال لأن من لا يرضى بنجاسة ما يماسه كيف يرضى بنجاسة نفسه يقال فلان طاهر الثياب نقي الذيل وألأردان إذا وصف بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق ويقال فلان دنس الثياب وكذا دسم الثياب للغادر ولمن قبح فعله ومن الأول قول الشاعر ويحيى ما لا يلام بسوء خلق
ويحيى طاهر الأثواب حر ومن الثاني قوله لا هم إن عامر بن جهم
أو ذم حجا في ثياب دسم وكلمات جمهور السلف دائرة على نحو هذا المعنى في الآية الكريمة أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال فيها يقول طهرها من المعاصي وهي كلمة عربية كانت العرب إذ نكث الرجل ولم يف بعهد قالوا أن فلانا لدنس الثياب وإذا وفي وأصلح قالوا إن فلانا لطاهر الثياب وأخرج ابن المنذر عن أبي مالك أنه قال فيها عني نفسي وأخرج هو وجماعة عن مجاهد أنه قال أي وعملك فأصلح ونحوه عن أبي رزين والسدي وأخرج هو أيضا وجماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال وثيابك فطهر أيمن الإثم وفي رواية من الغدر أي لا تكن غدارا وفي رواية جماعة عن عكرمة أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى وثيابك فطهر لا تلبسها على غدرة ولافجرة ثم قال ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة فإني بحمد الله لا ثوب فاجر
لبست ولا من غدرة اتقنع ونحوه عن الضحاك وابن جبير وعن الحسن والقرطبي أي وخلقك فحسن وأنشدوا للكناية عن النفس بالثياب قول عنترة فشككت بالرمح الطويل ثيابه
ليس الكريم على ألقنا بمحرم وفي رواية عن الحبر وابن جبير أنه كني بالثياب عن القلب كما في قول امريء القيس فإن تك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقيل كنى بها عن الجسم كما في قول ليلى وقد ذكرت إبلا ركبها قوم ذهبوا بها رموها بأثواب خفاف فلا نرى
لها شبها إلا النعام المنفرا وطهارة الجسم قد يراد بها أيضا نحو ما تقدم ومناسبة هذه المعاني لمقام الدعوة مما لا غبار عليه وقيل على كون تطهير الثياب كناية عما مر يكون ذلك أمرا باستكمال القوة العلمية