كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
الكشف الإبدال من تمنن على أن المن هو الإعتداد بما أعطي لا الإعطاء نفسه في لطيفة لأن الإستكثار مقدمة المن فكأنه قيل لا تستكثر فضلا عن المن وجوز أن يكون سكون وقف حقيقة أو بإجراء الوصل مجراه أو سكون تخفيف على أن شبه ثرو بعضد فسكن الراء الواقعة بين الثاء وواو ولربك كما سكنت الضاد وليس بذاك والجملة عليه فيموضع الحال وقرأ الحسن أيضا والأعمش تستكثر بالنصب على إضمار أن كقولهم مره يحفرها أي أن يحفرها وقوله ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي في رواية نصب أحضر وقرأ ابن مسعود أن تستكثر بإظهار أن فالمن بمعنى الإعطاء والكلام على إرادة التعليل أي ولا نعط لأجل أن تستكثر أي تطلب الكثير ممن تعطيه وأيد به أرادها لمعنى الأول في قراءة الرفع وجوز الزمخشري في تلك القراءة أن يكون الرفع لحذف أن وإبطال عملها كما روي أحضر الوغى بالرفع فالجملة حينئذ ليست حالية وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز حمل القرآن على ذلك إذ لا يجوز ما ذكر إلا في الشعر ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال ورد بأن المخالف للقياس بقاء عملها بعد حذفها وأماالحذف والرفع فلا محذور فيه وقد أجازه النحاة ومنه تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ولربك فاصبر قيل على أذى المشركين وقيل على أداء الفرائض وقال ابن زيد على حرب الأحمر والأسود وفيه بعد إذ لم يكن جهاد يوم نزولها وعن النخعي على عطيتك كأنه وصله بما قبله وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار والوجه كما قال جار الله أن يكون أمرا بنفس الفعل والمعنى لقصد جهته تعالى وجانبه عز و جل فاستعمل الصبر فيتناول لعدم تقدير المتعلق المفيد للعموم كل مصبور عليه ومصبور عنه ويراد الصبر على أذى المشركين لأنه فرد من أفراد العام لا لأنه وحده هو المراد وعن ابن عباس الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه صبر على أداء الفرائض وله ثلثمائة درجة وصبر عن محارم الله تعالى وله ستمائة درجة وصبر على المصائب عند الصدمة الأولى وله تسعمائة درجة وذلك لشدته علىالنفس وعدم التمكن منه إلا بمزيد اليقين ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وسلم أسألك من اليقين ما تهون به على مصائب الدنيا وذكروا أن للصبر باعتبار حكمه أربعة أقسام فرض كالصبر عن المحظورات وعلى أداء الواجبات ونقل كالصبر عن المكروهات والصبر على المسنونات ومكروه كالصبر عن أداء المسنونات والصبر على فعل المكروهات وحرام كالصبر على من يقصد حريمه بمحرم وترك التعرض له مع القدرة إلى غير ذلك وتمام الكلام عليه في محله وفضائل الصبر الشرعي المحمود مملا لا تحصى ويكفي في ذلك قوله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم قال الله تعالى إذا وجهت إلى العبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا فإذا نقر أينفخ في الناقور في الصور وهو فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سببه ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به ولهذه السببية تجوز به عنه وشاع ذلك وأريد به النفخ لأنه نوع منه والفاء للسببية كأنهقيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقي عاقبة صبرك عليه والعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين فالمعنى إذا نقر في الناقور عسر الأمرعلى الكافرين والفاء في هذا للجزاء وذلك إشارة إلى وقت النقر المفهوم من فإذا نقر ومافيه من معنى البعد مع قرب العهد لفظا بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الهواء والفظاعة ومحله الرفع على الإبتداء ويومئذ قيل بدل منه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن والخبر يوم عسير فكأنه قيل يوم فيوم النقر عسير وجوز أن يكون يومئذ ظرفا مستقرا ليوم عسير أي صفة له فلما تقدم عليه صار