كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

أو من الضمير المحذوف العائد على من على ما استظهره أبو حيان أي ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد وجوز أن يكون منصوبا بأذم ونحوه فقد كان الوليد يلقب في قومه بالوحيد فتهكم الله تعالى به وبلقبه أو صرفه من الغرض الذي كانوا يؤمنونه من مدحه والثناء عليه إلى جهة ذمه وعيبه فأراد سبحانه وحيدا في الخبث والشرارة أو وحيدا عن أبيه لأنه كان دعيا لم يعرف نسبه للمغيرة حقيقة كما مر في سورة نون وجعلت له مالا ممدودا مبسوطا كثيرا أو ممدودا بالنساء منمد النهر ومده نهر آخر وقيل كان له الضرع والزرع والتجارة وعن ابن عباس وهو ما كان له بين مكة والطائف من الأبل والنعل والجنان والعبيد وقيل له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره صيفا وشتاء وقال النعمان بن بشير المال الممدود هو الأرض لأنها مدت وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه المستغل الذي يجبي شهرا بعد شهر فهو ممدود لا ينقطع وعن ابن عباس ومجاهد وابن جبير كان له ألف دينار وعن قتادة ستة آلاف دينار وقيل تسعة آلاف دينار وعن سفيان الثوري روايتان أربعة آلاف دينار وألف وألف دينار وهذه الأقوال إن صحت ليست المراد بها تعيين المال والممدود وانه متى أطلق يراد به ذلك بل بيان أنه كان بالنسبة إلى المحدث عنه كذا وبنين شهودا حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة لكونهم مكففين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم أو حضورا في الأندية والمحافل لوجاههتهم واعتبارهم أو تسع شهاداتهم فيما يتحاكم فيه واختلف في عددهم فعن مجاهد أنهم عشرة وقيل ثلاثة عشر وقيل سبعة كلهم رجال الوليد ابن الوليد وخالد وهشام وقد أسلم هؤلاء الثلاثة والعاص وقيس وعبد شمس وعمارة واختلفت الرواية فيه أنه قتل يوم بدر أو قتله النجاشي لجايه نسبت إليه في حرم الملك والروايتان متفقتان على أنه قتل كافرا ورواية الثعلبي عن مقاتل إسلامه لا تصح ونص ابن حجر على أن ذلك غلط وقد وقع في هذا الغلط صاحب الكشاف وتبعه فيه من تبعه والعجب أيضا أنهم لم يذكروا الوليد بن الوليد فيمن أسلم مع أن المحدثين عن آخرهم أطبقوا على إسلامه ومهدت له تمهيدا بسطتله الرياسة والجاه العريض فأتمت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا وأصل التمهيد التسوية والتهيئة وتجوز به عن بسطة المال والجاه وكان لكثرة غناه ونضارة حاله الرائقة في الأعين نظرا ومخبرا يلقب ريحانة قريش وكذا كانوا يلقبونه بالوحيد بمعنى المنفرد باستحقاق الرياسة وعن ابن عباس وسعت له ما بين اليمن إلى الشام وعن مجاهد مهدت له المال بعضه فوق بعضكما يمهد الفراش ثم يطمع أن أزيد على ما أديته وهو استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه إما لأنه في غنى تام لا مزيد على ما أوتي سعة وكثرة أو لأنه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم وعن الحسن وغيره أنه كان يقول إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي واستعمال ثم للإستبعاد كثير قيل التفات الرتبي بل عد الشيء بعيدا غير مناسب لما عطف عليه كما تقول تسيء إلي ثم ترجو إحساني وكان ذلك لتنزيل البعد المعنوي منزلة البعد الزماني كلا ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب وقوله سبحانه إنه كان لآياتنا عنيدا جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لتعليل ما قبل كأنه قيل لم زجر عن طلب المزيد وما وجه عدم لياقته فقيل أنه كان معاند الآيات المنعم وهي دلائل توحيده أو الآيات القرآنية حيث قال فيها ما قالوا لمعاندة تناسب الإزالة وتمنع من الزيادة قال مقاتل ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من ماله وولده حتى هلك سأرقه صعودا سأغشيه عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق به ما يسوقه الله تعالى له من المصائب وأنواع المشاق بتكليف الصعود في الجبال الوعرة

الصفحة 122