كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

الشاقة وأطلق لفظه عليه على سبيل الإستعارة التمثيلية وروي أحمد والترمذي والحاكم وصححه وجماعة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا الصعود جبل من نار يصعد فيه خرفا ثم يهوى فيه كذلك أبدأ وعنه صلى الله تعالى عليه وسلم عليه وسلم يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذات ذابت وإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت إنه فكر وقدر تعليل للوعيد واستحقاقه له أو بيان لعناده لآياته عز و جل فيكون جملة مفسرة لذلك لا محل لها من الإعراب وما بينهما اعتراض وقيل الجملة عليه بدل من قوله تعالى أنه لآيا عنيدا أي أنه فكر ماذا يقول في شأن القرآن وقدر في نفسه ما يقول فقتل كيف قدر تعجيب من تقديره وإصابته في المخزورميه الغرض الذي كان ينتجيه قريش فهو نظير قاتلهم الله أنى يؤفكون أو ثناء عليه تهكما على نحو قاتله الله ما أشجعه أو حكاية لما كرره على سبيل الدعاء عند سماع كلمته الحمقاء فالعرب تقول قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره يريدون أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو حاسده بذلك وما له على ما قيل إلى الأول وإن اختلف الوجه روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكان رق له فبلغ ذلك أبا جهل فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا فيطوكه فإنك أتيت محمدا لتصيب مما عنده قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك منكر له وإنك كاره له قال وماذا أقول فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيدة ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا وولله إن لقوله الذي يقوله حلاوة وإن عليه لطلاوة وأنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وأنه ليعلو ولا يعلى وأنه ليحطم ما تحته قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال دعني حتى أفكر فلما فكر قال ما هو إلا سحر يؤثر فعجبوا بذلك وقال محيي السنة لما نزل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم إلى قوله تعالى المصير قام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المسجد والوليد قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي عليه الصلاة و السلام لاستماعه أعاد القراءة فانطلق الوليد إلى مجلس قومه بني مخزوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو وما يعلى فقال قريش صبأ والله الوليد لتصب أن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال تزعمون أن محدما مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون أنه كاهن فهل رأيتموه قط يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب فقالوا في كل ذلك اللهم لاثم قالوا فما هو ففكر ماهو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل فارتج النادي فرحا وتفرقوا متعجبين منه ثم قتل كيف قدر تكرير للمبالغة كما هو معتاد من أعجب غاية الإعجاب والعطف بثم للدلالة على تفاوت الرتبة وإن الثانية أبلغ من الأولى فكأنه قيل قتل بنوع ما من القتل لا بل قتل بأشده وأشده ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد ونحوه ما في قوله وما لي من ذنب إليهم علمته
سوى أننيقد قلت يا سرحة أسلمي ألا يا أسلمي ثم أسلمي ثمت أسلمي
ثلاث تحيات وإن لم تكلمني والإطراء في الإعجاب بتقديره يدل على غاية التهكم به وبمن فرح بمحصول تفكيره وقال الراغب في غرة التنزيل كان الوليد بن المغيرة لما سئل عن النبي صلى الله عليه و سلم قدر ما أتى به من القرآن فقال إن قلنا شاعر كذبتنا العرب إذا عرضت ما أتي به على الشعر وكان يقصد بهذا التقدير تكذيب الرسول صلى الله تعالى عليه

الصفحة 123