كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

وسلم بضرب من الإحتيال فلذلك كان كل تقدير مستحقا لعقوبة من الله تعالى هي كالقتل إهلاكا له فالأول لتقديره على الشعر أي أهلك إهلاكا المقتول كيف قدر وقوله تعالى ثم قتل كيف قدر لتقديره الآخر فإنه قدر أيضا وقال فإن ادعينا أن ما أتيبه من كلام الكهنة كذبتنا العرب إذا رأوا هذا الكلام مخالفا لكلام الكهان فهو في تقديره له على كلام الكهنة مستحق من العقوبة لما هو كالقتل إهلاكا له فجاء ذلك لهذا فلم يكن في الإعادة تكرارا والأول هو ما ذهب إليه جار الله وجعل الدعاء اعتراضا وقال عليه الطيبي أنه ليس من الإعتراض المتعارف الذي ينحل لتزيين الكلام وتقديره لأن الفاء مانعة من ذلك بل هو من كلام الغير ووقع الفاء تضاعيف كلامه فأدخل بين الكلامين المتصلين على سبيل الحكاية ثم قال وهو متعسف وأنما سلكه لأنه جعل الدعاءين من كلام الغير وأما إذا جعلا من كلام الله تعالى استهزاء كما ذكر هو أو ادعاء عليه كما ذهب إليه الراغب وعليه تفسير الواحدي على ما قال ونقل عن صاحب النظم فقتل كيف أي عذب ولعن كيف قدر كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حال كانت منه لتكون الفعال كلها متناسقة مرتبة على التفاوت في التعقيب والتراخي زمانا ورتبة كما يقتضيه المقام كان أحسن وجاء النظم عن السنن المألوف من التنزيل إلى آخر ما قال وما تقدم أبعد مغزى والإعتراض من المتعارف وهو يؤكد ما سيق له الكلام أحسن تأكيد والفاء غير ماتعة على ما نص عليه جار الله وغيره وجعل من الإعتراض المقرون بها فاسألوا أهل الذكر ومنه قوله واعلم فعلم المرء ينفعه
أن سوف يأتي كل ما قدرا وقد حقق أنه بالحقيقة نتيجة وقعت بين أجزاء الكلام اهتماما بشأنها فأفادت فائدة الإعتراض وعدت منه والإعتراض بين قوله تعالىأنه فكر وقدر وقوله سبحانه ثم نظر للعطف وثم فيه وفيما بعد على معناه الوضعي وهو التراخي الزماني مع مهلة أي ثم فكر في أمر القرآن مرة بعد أخرى ثم عبس قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا وضاقت عليه الحيل ولم يدر ماذا يقول وقيل ثم نظر في وجوه القوم ثم قطب وجهه وقيل نظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قم قطب في وجهه عليه الصلاة و السلام وبسر أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته فالبسر الإستعجال بالشيء نحو بسر الرجل لحاجة طلبها في غير أوانها وبسر الفحل الناقة ضربها قبل أن تطلب وما بسر متناول من غديره قبل سكونه وقيل للجبن الذي ينكأ قبل النضج بسر ومنه قيل لما لم يدرك من الثمر بسر وبهذا فسره الراغب هنا وفسره بعضهم بأشد العبوس من بسر إذا قبض ما بين عينيه كراهة للشيء وأسود وجهه منه ويستعمل بمعنى العبوس ومنه قول توبة قد رابني منها صدود رأيته
وأعراضها عن حاجتي وبسورها وقول سعد لما أسلمت راغمتني أمي فكانت تلقاني مرة بالبشر ومرة بالبسر فحينئذ يكون ذكر بسر كالتأكيد لعبس ولعله مراد من قال اتباع له وأهل اليمين يقولون بسر وأبسر إذا وقف ولم أر من جواز إرادة ذاك هنا ولو على بعد وفي النفس من ثبوت ذلك لغة صحيحة توقف ثم أدبر عن الحق أو عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واستكبر عن اتباعه فقال إن هذا إلا سحر يؤثر أي يروى ويتعلم من سحر بابل ونحوهم وقيل أي يختار ويرجح على غيره من السحر وليس بمختار والفاء للدلالة على أن هذه الكلمة الحمقاء لما خطرت بباله تفوه بها من غير تلثم وتلبث فهي للتعقيب من غير مهملة ولا مخالفة فيه لما مر من الرواية كما لا يخفى وقوله إن هذا إلا قول البشر كالتأكد للجملة الأولى لأن المقصود منهما نفي كونه

الصفحة 124