كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

قرآنا ومن كلام الله تعالى وإن اختلفا معنى ولا اعتبار في المقصود لم يعطف عليها وأطلق بعضهم عليه التأكيد من غير تشبيه والأمر في وصف إشكاله التي تشكل بها حتى استنبط هذا القول السخيف استهزاء به وإشارة إلى أنه عن الحق الأبلج بمعزل ثم أن الذي يظهر من تتبع أحوال الوليد أنه إنما ذلك عنادا وحمية جاهلية لا جهلا بحقيقة الحال وقوله تعالى سأصليه سقر بدل من سأرهقه الخ بدل اشتمال لاشتمال السقر على الشدائد وعلى الجبل من النار والوصف الآتي لا ينافي الإبدال على إرادة الجبل بناء على أن المراد به نحو ما في الحديث وقال أبو حيان يظهر أنهما جملتان أعتقبت كل واحدة منهما على سبيل توعد العصيان الذي قبل كل واحدة منهما فتوعد على كونه عنيدا لآيات الله تعالى بإرهاق صعود وعلى قوله أن القرآن سحر يؤثر إصلاء سقر وفيه بحث لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم وما أدراك ما سقر أي أي شيء أعلمك ما سقر على أن ما الأولى مبتدأ وإدراك خبره وما الثانية لأنها مفيدة لما قصد إفادته من التهويل والتفظيع وسفر مبتدأ أي شيء هي في وصفها فإن قد يطلب بها الوصف وإن كان الغالب أن يطلب بها الاسم والحقيقة وقوله سبحانه لا تبقى ولا تذر بيان لوصفها وحالها فالجملة مفسرة أو مستأنفة عن غير حاجة إلى جعلها خبر مبتدأ محذوف وقيل حال من سقر والعامل فيها معنى التعظيم أي أعظم سقر وأهول أمرها حال كونها لا تبقى الخ وليس بذاك أي لا تبقى شيئا يلقى فيها إلا أهلكته وإذا هلك لم نذره هالكا حتى يعاد وقال ابن عباس لا تبقي إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا وإذا بدلوا خلقا جديدا لم تذر أن تعاودهم سبيل العذاب الأول وروي نحوه عن الضحاك بزيادة ولكل شيء فترة وملالة إلا جهنم وقيل لا تبقي على شيء ولا تدعه من الهلاك بل كان ما يطرح فيها هالك لا محالة وقال السدي لا تبقي لهم لحما ولا تذر عظما وهو دون ما تقدم لواحة للبشر قال ابن عباس ومجاهد وأبو رزين والجمهور أي مغيرة للبشرات مسودة للجلود وفي بعض الروايات عن بعض بزيادة محرقة والمراد في الجملة فلواحة من لوحته الشمس إذا سودت ظاهره وأطرافه قال تقول ما لا حك يا مسافر
يا ابنة عمي لا حني الهواجر والبشر جمع بشرة وهي ظاهرة الجلد وفي بعض الآثار أنها تلفح الجلد لفحة فتدعه أشد سوادا من الليل واعتراض بأنه لا يصح وصفها بتسويدها الظاهر الجلود مع قوله سبحانه لا تبقي ولا تذر الصريح في الإحراق وأجيب أنها في أول الملاقاة تسوده ثم تحرقه وتهلكه أو الأول حالها مع من دخلها وهذا حالها مع من يقرب منها وأن تتعلم أنه إذا قيل لا يحسن وصفها بتسويد ظاهر الجلود بعد وصفها بأنها لا تبقي ولا تذر لم يحسن هذا الجواب وقد يجاب حينئذ بأن المراد ذكر أوصافها المهمولة الفظيعة من غير قصد إلى ترق من فظيع إلى أفظع وكونها لواحة وصف من أوصافها ولعله باعتبار أول الملاقاة وقيل الإهلاك وفي ذكره من التفظيع ما فيه لما أن في تسويد الجلود مع قطع عما فيه من الإيلام تشويها للخلق ومثله للشخص فهو من قبيل التتميم وفي استلزام الإهلاك تسويد الجثود تردد وإن قيل به فتدبر وجوز على تفسير لواحة بما ذكر كون البشر اسم جنس بمعنى الناس ويرجع المعنى إلى ما تقدم وقال الحسن وابن كسيان والأصم لواحة بناء مبالغة من لاح إذا ظهر والبشر بمعنى الناس أي تظهر للناس لعظمها وهولها كما قال تعالى وبرزت الجحيم لمن يرى وقد جاء أنها تظهر لهم من مسيرة خمسمائة عام ورفع لواحة على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة وقرأ عطية العوفي وزيد بن علي والحسن وابن أبي عبلة لواحة بالنصب على الإختصاص للتهويل أي أخص أو أعني وجوز أن يكون حالا مؤكدة من ضمير تبقي أو تذر بناء على زعم الإستلزام وأن يكون حالا من سقر والعامل ما مر عليها تسعة عشر الظاهر ملكا ألا ترى العرب وهم

الصفحة 125