كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

الأسماع فلا نسود به الرفاع وفي البحر ليستيقن مفعول من أجله وهو متعلق بجملنا لا بفتنة فليست الفتنة معلولة للإستيقان بل المعلول جعل العدة سبب الفتنة وفي الإنتصاف يجوز أن يرجع قوله تعالى ليستسقن إلى ما قبل الإستثناء أي جعلنا عدتهم سببا لفتنة الكفار ويقين المؤمنين وذكر الإمام في ذلك وجهين الثاني ما قدمناهم ما اختاره بعض الأجلة والأول أن التقدير وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للكافرين وإلا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب قال وهذا كما فعلت كذا لتعظيمك ولتحقير عدوك فالواو العاطفة قد تذكر في هذاالموضع تارة وقد تحذف أخرى وقال بعض أنه متعلق بمحذوف أي فعلنا ذلك ليستيقن الخ والكل كما ترى وحمل الذين أوتواالكتاب على أهل الكتابين مما ذهب إليه جمع وقيل المراد بهم اليهود فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن البراء أن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن خزنة جهنم فقال الله تعالى ورسوله اعلم فجاء فأخبرالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ عليها تسعة عشر وأخرج الترمذي وابن مردويه عن جابر قال قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم فأخبروا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال هكذا وهكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة تسعة واستشعر من هذا أن الآية مدنية لأن اليهود إنما كانوا فيها وهو استشعار ضعيف لأن السؤال لصحابي فلعله كان مسافر فاحتج بيهودي حيث كان وأيضا لا مانع إذ ذاك من إتيان اليهود نحو مكة المكرمة ثم أن الخبرين لا يعينان حمل الموصوف علىاليهود كما يخفى فالأولى إبقاء التعريف على الجنس وشمول الموصوف للفريقين أي ليستيقن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويزداد الذين آمنوا إيمانا أي يزداد إيمانهم كيفية بما رأوا من تسليمهم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك أو كمية بانضمام إيمانهم بذلك إلى إيمانهم بسائر ما أنزل وولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون تأكيد لما قبله من الإستيقان وازدياد الإيمان ونفي لما قد يعتل اي المستقن من شبهة ما للغفلة عن بعض المقدمات أوطريان ما توهم كونه معارضا في أول وهلة ولما فيهمن هذه الزيادة جاز عطفه على المؤكد بالواو لتغايرهما في الجملة وإن ما لم ينظم المؤمن ونفي سلك أهل الكتاب في نفي الإرتياب حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالا فإن انتفاء الإرتياب من أهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيهمن الإيمان وكم بينهما وقيل إنما لم يقل ولا يرتابوا بل قيل ولا يرتاب الخ للتنصيص على تأكيد الأمرين لاحتمال عود الضمير في ذلك على المؤمنين فقط والتعبير عن المؤمنين باسم الفاعل بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث للإيذان بثباتهم على الإيمان بعد ازديادهم ورسوخهم في ذلك وليقول الذين في قلوبهم مرض أي شك أو نفاق فيكون بناء على أن السورة بتمامها مكية والنفاق إنما حدث بالمدينة إخبارا عما سيحدث من المغيبات بعد الهجرة والكافرون المصرون على التكذيب ماذا أراد الله بهذا مثلا أي شيء أراد تعالى أو ما الذي أراده الله تعالى بهذاالعدد المستغرب استغراب المثل وعلى الأول ماذا منزلة اسم واحد للإستفهام في موضع نصب بأراد وعلى الثاني هي مؤلفة من كلمة ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره والجملة بعد صلة والعائد فيها محذوف ومثلا نصب على التمييز أو على الحال كما في قوله تعالى هذه ناقة الله لكم آية والظاهر أن ألفاظ هذه الجملة من المحكي وعنوا بالإشارة التحقير وغرضهم نفى أن يكون ذلك من عند الله عز و جل على أبلغ وجه لا

الصفحة 127