كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

الإستفهام حقيقة عن الحكمة ولا القدح في اشتماله عليها مع اعترافهم بصدور الأخبار بذلك عنه تعالى وجوز أن يكون أراد الله تعالى من الحكاية وهم قالوا ماذا أريد ونحوه وقيل يجوز أن يكون المثل بمعناه الآخر وهو ما شبه مضربه بأن يكونوا قد عدوه لاستغرابه مثلا مضروبا ونسبوه إليه عز و جل استهزاء وتهكما وإفراد قوله بهذا التعليل مع كونه من باب فتنتهم قيل للإشعار باستقلاله في الشناعة وفي الحواشي الشهابية إنما أعيد اللام فيه للفرق بين العلتين إذ مرجح الأولى الهداية المقصودة بالذات ومرجح هذه الضلال المقصود بالعرض الناشيء من سوء صنيع الضالين وتعليل أفعاله بالحكم والمصالح جائز عند المحققين وجوز في هذه اللام وكذا الأولى كونها للعاقبة كذلك يضل الله من يشاء ذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهداية ومحل الكاف في الأصل على أنها صفة لمصدر محذوف وأصل التقدير يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء إضلالا وهداية كائنين مثل ما ذكرمن الإضلال والهداية فحذف المصدر وأقيم وصفه مقامهثم قدم على الفعل لإفادةالقصر فصار النظم مثل ذلك الإضلال وتلك الهداية يضل الله تعالى من يشاء إضلاله لصرف اختياره حسب استعداده السيء إلى جانب الضلال عند مشاهدته لآيات الله تعالى الناطقة بالهدى ويهدي من يشاء هدايته لصرف اختياره حسب استعداده الحسن عند مشاهدة تلك الآيات إلى جانب الهدى لا إضلالا وهداية أدنى منهما ويجوز أن تكون الإشارة إلى ما بعد كما في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا على ما حقق في موضعه وما يعلم جنود ربك جمع جند اشتهر في العسكر اعتبارا بالغلظة من الجند أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ويقال لكل جمع أيوما يعلم جموع خلقه تعالى التي من جملتها الملائكة المذكورون على ما هم عليه إلا هو عز و جل إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والوقوف على حقائقها وصفاتها ولوا إجمالا فضلا عن الإطلاع على تفاصيل أحوالها من كم وكيف ونسبة وهو رد لاستهزائهم يكون الخرنة تسعة عشر لجهلهم وجه الحكمة في ذلك وقال مقاتل هو جواب لقول أبي جهل أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر وحاصله أنه لما قلل الأعوان أجيب بأنهم لا يحصون كثرة إنما الموكلون على النار هؤلاء المخصوصون لا أن المعنى ما يعلم بقوة بطش الملائكة إلا هو خلافا للطيبي فإن اللفظ غير ظاهر الدلالة على هذا المعنى واختلف في أكثر جنود الله عز و جل فقيل الملائكة لخير أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وفي بعض الأخبار أن مخلوقات البر عشر مخلوقات البحر والمجموع عشر مخلوقات الجو والمجموع عشر مخلوقات ملائكة السماء الدنيا والمجموع عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا إلى السماء السابعة والمجموع عشر ملائكة الكرسي والمجموع عشر الملائكة الحافين بالعرش والمجموع أقل قليل بالنسبة إلى ما لا يعلمه إلا الله وقيل المجموع أقل قليل بالنسبة إلى الملائكة المهيمين الذين لا يعلم أحدهم أن الله تعالى خلق أحدا سواء والمجموع أقل قليل بالنسبة إلى ما يعلمه سبحانه من مخلوقاته وعن الأوزاعي قال قال موسى عليه السلام يا رب من مهك في السماء قال ملائكتي قال كم عدتهم قال اثنا عشر سبطا قال كم عدة السبط قال عدد التراب وفي صحة هذا روي إن صح فصدره من المتشابه وأنا لا أجزم بأكثرية صف فما يعلم جنود ربك إلا هو ولم يصح عندي في ذلك بيد أنه يغلب على الظن أن الأكثر الملائكة عليهم السلام وهذه الآية وأمثالها من الآيات والأخبار تشجع على القول باحتمال أن يكون في الأجرام العلوية جنود من جنود الله تعالى لا يعلم حقائقها وأحوالها إلا هو عز و جل ودائرة ملك الله جل جلاله أعظم من أن يحيط بها نطاق الحصر أو يصل إلى مركزها طائر الفكر فإني وهيهات ولو استغرقت القوى والأوقات هذا واختلف في المخصص لهذا العدد

الصفحة 128