كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

وأخرج ابن المنذر وابن جرير وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنهم أطفال المسلمين وأخرجوه أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ونقل بعضهم عن ابن عباس أنهم الملائكة فإنهم غير مرهونين بديون التكاليف كالأطفال وتعقب بأن إطلاق النفس على الملك غير معروف وبأنهم لا يوصفون بالكسب أيضا على أن الظاهر سباقا وسياقا أن يراد طائفة من البشر المكلفين والكثير على تفسيرهم بما سمعت وقيل هم الذين سبقت لهم من الله الحسنى وقيل الذين كانوا عن يمين آدم عليه السلام يوم الميثاق وقيل الذين يعطونكتبهم بأيمانهم ولا تدافع بين هذه الأقوال كما لا يخفى والأستثناء على ما تقدم وكذا هذه الأقوال متصل وأما على قول الأمير كرم الله تعالى وجهه وما نقل عن ابن عمه فقال أبو حيان هو استثناء منقطع وقيل يجوز الأتصال والأنقطاع بناء على أن الكسب مطلق العمل أو ما هو تكليف فلا تغفل في جنات خبر مبتدأ محذوف والتنوين للتعظيم والجملة استئناف وقوع جواب عن سؤال نشأ مما قبله من استثناء أصحاب اليمين كأنه قيل ما بالهم فقيل هم في جنات لا يكتنه كنهما ولا يدرك وصفها وجوز أن يكون الظرف في موضع الحال من أصحاب اليمين أو من ضميرهم في قوله تعالى يتساءلون قدم للأعتناء مع رعاية الفاصلة وقيل للتساؤل وليس المراد بتساؤلهم أن يسأل بعضهم بعضها على أن يكون كل واحد منهم سائلا ومسؤلا معا بل وقوع السؤال منهم مجردا عن وقوعه فأن صيغة التفاعل وإن وضعت في الأصل للدلالة على صدور الفعل عن المتعدي ووقوعه عليه معا بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا كما في قولك تشاتم القوم أي شتم كل واحد منهم الآخر لكنها قد تجرد عن المعنى الثاني ويقصد بها الدلالة على الأول فقط ويكون الواقع عليه شيئا آخر كما في قولك تراه والهلال قال جار الله إذا كان المتكلم مفردا يقول دعوته وإذا كان جماعة تداعيناه ونظيره رميته وتراميناه ورأيت الهلال وتراءيناه ولا يكون هذا التفاعل من الجانبين وعلى هذا فالمسؤل محذوف أعني المجرمين والتقدير يتساءلون المجرمين عنهم أي يسألون المجرمين عن أحوالهم فغير إلى ما في النظم الجليل وقيل يتساءلون عن المجرمين والمعنى على ذلك وحذف المسؤل لكونه غير المسؤل عنه وقوله تعالى : ما سلككم في سقر بيان للتساؤل من غير حاجة إلى إضمار قول أو هو مقدر بقول وقع حالا من فاعل يتساءلون أي يسألونهم قائلين أي شيء أدخلهم في سقر وقيل المسؤل غير المجرمين كجماعة من الملائكة عليهم السلام وما سلككم الخ حكاية قول المسؤلين عنهم أي سأل أصحاب اليمين الملائكة عن حال المجرمين قالوا نحن سألنا المجرمين عن ذلك وقلنا لهم ما سلككم في سقر إلى الآخرة وكان يكفيهم أن يقولوا حالهم كيت وكيت لكن أتى بالجواب مفصلا حسب ما سألوه ليكون أثبت للصدق وأدل على حقيقة الأمر ففي الكلام حذف واختصار وجوز أن تكون صيغة التفاعل على حقيقتها أي يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين وما سلككم حكاية قول المسؤل عنهم أيضا ولا يخفى ما في اعتبار الحكاية من التكلف فليس ذاك بالوجه وإن كان الأيجاز نهج التنزيل والحذف كثيرا في كلامه تعالى الجليل والظاهر أن السؤال سؤال توبيخ وتحسير وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار ولو كانوا الأطفال فيما أظن لانكشاف الأمر ذلك اليوم وروي عبد الله ابن أحمد وجماعة عن ابن الزبير أنه يقرأ يتساءلون عن المجرمين يا فلان ما سلككم ورويت عن عمر أيضا وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ يا أيها الكفار ما سلككم في سقر قالوا أي المجرمون مجيبين للسائلين لم نك من المصلين للصلاة الواجبة ولم نك نطعم المسكين أي نعطيه ما يجب إعطاؤه والمعنى على استمرار النفي الأستمرار واستدل بالآية

الصفحة 132