كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

بمعنى القرآن أو الذكر تذكرة وأي تذكرة فمن شاء أن يذكره ذكره وحاز بسببه سعادةالدارين والوقف على كلا على ما سمعت في الموضعين وعلى منشرة والآخرة أن جعلت كما في الحواشي بمعنى إلا وما يذكرون أي بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته في أفعاله وهو قوله سبحانه إلا أن يشاء الله استثناء مفرغ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أي وما يذكرون بعلة من العلل أو في حال من الأحوال إلا بأن يشاء الله تعالى أو حال أن يشاء الله ذلك وهذا تصريح بأن أفعال العباد بمشيئة الله عز و جل بالذات أو بالواسطة ففيه رد على المعتزلة وحملهم المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر من غير قسر وإلجاء وقرأ نافع وسلام ويعقوب تذكرون بتاء الخطاب التفاتا مع إسكان الذال وروي عن أبي حيوة يذكرون بياء الغيبة وشد الذال وعن أبي جعفر تذكرون بالتاء الفوقية وإدغامها في الذال هو أهل التقوى حقيق بأن يتقي عذابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر المبني للمفعول وأهل المغفرة حقيق بأن يغفر جل وعلا لمن آمنبه وأطاعه فالمغفرة مصدر المبني للفاعل وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والنسائي وابن ماجه وخلق آخرون عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ هذه الآية هو أهل التقوى وأهل المغفرة فقال قد قال ربكم أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن دينار عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعا ما يقرب من ذلك وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول الله تعالى إني لأجدني أستحي من عبدي يرفع يديه إلي ثم يردهما من غير مغفرة قالت الملائكة إلهنا ليس لذلك بأهل قال الله تعالى لكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أني قد غفرت له وكأن الجملة لتحقيق الترهيب والترغيب اللذين أشعر بهما الكلام السابق كما لا يخفى على المتذكر وعن بعضهم أنه لما سمع قوله تعالى هو أهل التقوى وأهل المغفرة قال اللهم اجعلني من أهل التقوى وأهل المغفرة على أن أول الثاني كثاني الأول مبنيا للفاعل وثاني الثاني كأول الأول مبنيا للمفعول وإلا فلا يحسن الدعاء وإن تكلف لتصحيحه فافهم والله تعالى أعلم
سورة القيامة
ويقال لها سورة لا أقسم وهي مكية من غير حكاية خلاف ولا استثناء واختلف في عدد آيها ففي الكوفي أربعون وفي غيره تسع وثلاثون والخلاف في لتجعل به ولما قال سبحانه وتعالى في آخر المدثر كلا بل لا يخافون الآخرة بعد ذكر الجنة والنار وكان عدم خوفهم إياها لأنكارهم البعث ذكر جلا وعلا في هذه السورة الدليل عليه بأتم وجه ووصف يوم القيامة وأهواله وأحواله ثم ذكر ما قبل ذلك من خروج الروح من البدن ثم ما قبل من مبدأ الخلق على عكس الترتيب الواقعي فقال عز من قائل عظيم بسم الله الرحمن الرحيم لآ أقسم بيوم القيامة إدخال لا النافية صورة على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس لا وأبيك ابنة العامري
لايدعى القوم إني أفر ألا ناديت أمامة باحتمال
لتحزنني فلا بك ما أبالي وقول غوية بن سلمة يرثي وملخص ما ذهب إليه جار الله في ذلك أن لا هذه إذا وقعت في خلال الكلام كقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون فهي صلة

الصفحة 135