كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

اللوامة بأنها هي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت عن سنة الغفلة فكلما صدر عنها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية أخذت تلوم نفسها ونفرت عنها وعرفوا المطمئنة بأنها التي تم تنورها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة وسكنت عن منازعة الطبيعة ومنهممن قالفي اللوامة هي المطمئنة للنفس الأمارة ومنهم من قال هي المطمئنة وهي التي ترشحت لتأديب غيرها إلى غير ذلك والمشهور عنهم تقسيم مراتب النفس إلى سبع منها هذه الثلاثة وفي سير السلوك إلى ملك الملوك كلام نفيس في ذلك فليراجعه من شاء وجواب القسم ما دل عليه قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه وهو ليبعثن وقيل هو أيحسب الخ وقيل بلى قادرين وكلاهما ليسا بشيء أصلا كزعم عدم الأحتياج إلى جواب لأن نفي الأقسام والمراد بالأنسان الجنس والهمزة لأنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه وإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف أي أيحسب أن الشأن لن نجمع بعد التفرق عظامه وحاصله لم يكون هذا الحسبان الفارغ عن الأمارة المنافي لحق اليقين وصريحه والنسبة إلى الجنس لأن فيه من يحس بذلك بل لعله الأكثون وجوز أن يكون التعريف للعهد والمراد بالأنسان عدي بن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريق وهما اللذان كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول فيهما اللهم أكفني جاري السوء فقد روي أنه جاء إليه عليه الصلاة و السلام فقال يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف يكون أمره فأخبره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أؤمن به أو يجمع الله تعالى هذه العظام فنزلت وقيل أبو جهل فقد روي أنه كان يقول أيزعم محمد أن يجمع الله تعالى هذه العظام بعد بلائها وتفرقها فيعيدها خلقا جديدا فنزلت كإرادة الجنس وسبب النزول لا يعنيه وذكر العظام وإن المعنى على إعادة الأنسان وجمع أجزائه المتفرقة لما أنها قالب الخلق وقرأ قتادة تجمع بالتاء الفوقية مبينا للمفعول عظامه بالرفع على النيابة بلى أين جمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا في بطون البحار وفسيحات القفار وحيثما كانت حال كوننا قادرين فقادرين حال من فاعل الفعل المقدر بعد بلى وهو قول سيبويه وقيل منصوب على أنه خبر كان أيبلى كنا قادرين في البدء أفلا نقدر في الأعادة وهو كما ترى وقيل انتصب لأنه وقع في موضع نقدر إذا التقدير بلى نقدر فلما وضع موضع الفعل نصب حكاه مكي وقال أنه بعيد من الصواب يلزم عليه نصب قائم في قولك مررت برجل قائم لأنه في موضعي قوم فتأمل وقرأ ابن أبي عبلة وابن السمقيع قادرون أي نحن قادرون على أن نسوي بنانه هي اسم جنس جمع يواحده بنانة وفسرها الراغب بالأصابع ثم قال قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للأنسان أن يبين بها ما يريد أي يقيم غيره بما صغر من عظام الأطراف كاليدين والرجلين وفي القاموس البنان الأصابع أو أطرافها فالمعنى نجمع العظام قادرين على تأليف جمعها وإعادتها إلى التركيب الأول وإلى أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه وأخر ما يتم به خلقه أو على أن نسوي ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت بكيف بكبار العظام وما ليس في الأطراف منها وفي الحال المذكورة أعني قادرين على الخ بعد الدلالة على التقييد تأكيد لمعنى الفعل لأن الجمع من الأفعال التي لا بد فيها من القدرة فإذا قيد بالقدرة البالغة فقد أكد والوجه الأول من المعنى يدل على تصوير الجمع وأنه لا تفاوت بين الأعادة والبدء في الاشتمال على جميع الأجزاء التي كان بها قوام البدن أو كماله والثاني يدل على تحقيق الجمع التام فإنه إذا قدر على جمع الألطف إلا بعد عادة عن الإعادة فعلى جمع

الصفحة 137