كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

غيره أقدر ولعله الأوفق بالمقام ويعلم منهما نكتة تخصيص البنان بالذكر وقيل المعنى بل نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه أن نجعلها مستوية شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ولا نفرق بينهما فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل منفنون الأعمال والبسط والقبض والتأتي لما يريد من الحوائج وروي هذا من ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك ولعل المراد نجمعها ونحن قادرون على التسوية وقت الجمع فالكلام يفيد المبالغة السابقة لكن من وجه آخر وهو أنه سبحانه إذا قدر على إعادته وجه تبديل بعض الأجزاء فعلى الأحتذاء بالمثال الأول في جميعه أقدر وأبو حيان حكى هذا عن الجمهور لكن قيد التسوية فيه بكونها في الدنيا وقال أن في الكلام عليه نوعدا ثم تعقب ذلك بأنه خلاف الظاهر المقصود من سوق الكلام والأمر كما قال لو كان كما فعل فلا تغفل ولا يخفى أن في الأتيان بلا أو لا وحذف جواب القسم والأتيان بقوله سبحانه أيحسب ورعاية أسلوب
وثناياك أنها أغريض
في القسم بيوم البعث والمبعوثفيه ثم إيثار لفظ الحسبان والأتيان بهمزة الإنكار مسندا إلى الجنس وبحرف الإيجاب والحال بعدها من المبالغات في تحقيق المطلوب وتفخيمه وتهجين المعرض على الأستعداد له مات بهر عجائبه ثم الحسن كلالحسن في ضمن حرف الأضراب في قوله سبحانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه وهو عطف على أيحسب جيء للأضراب عن إنكار الحسبان إلى الأخبار عن حالا لأنسان الحاسب بما هو أدخل في اللوم والتوبيخ من الأول كأنه قيل دع تعنيفه فأنه أشط من ذلك وأنى يرتدع وهو يريد نيدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه أو هو عطف على يحسب منسحبا عليه الأستفهام أو على أيحسب مقدرا فيه ذلك أي بل أريد جيء به زيادة أنكار في إرادته هذه وتنبيها على أنها أفظع من الأول للدلالة على أن ذلك الحسبان بمجرده إراة الفجور كما نقول في تهديد جمع عاثوا في البلد أيحسبون أن لا يدخل الأمير بل يريدون أن يتكلموا فيه لم تقل هذا إلا وأن تمترق في الأنكار منزل عبثهم منزلة إرادة التملك وعدم العبء بمكان الأمير وإلى هذين الوجهين أشار جار الله على ما قرر في الكشف والوجه الول أبلغ لأن هذا على الترقي والأول إضراب عن الأنكار وأيهام أن الأمر أطعم من ذلك وأطعم وفيهما أيماء إلى أن ذلك الأنسان عالم بوقوع الحشر ولكنه متغلب واعتبر الدوام في ليفجر لأنه خبر عن حال الفاجر بأنه يريد ليفجر في المستقبل على أنه حسبانه وإرادته هما عين الفجور وقيل لأن إمامه ظرف مكان استعير هنا للزمان المستقبل فيفيد الأستمرار وفي إعادة المظهر ثانيا ما لا يخفى من التهديد والنعي على قبيح ما ارتكبه وإن الأنسانية تأبى هذا الحسبان والإرادة وعود ضمير أمامه على هذا المظهر هو الأظهر وعن ابن عباس ما يقتضي عوده علىيوم القيامة والأول هو الذي يقتضيه كلام كثير من السلف لكنه ظاهر في عموم الفجور قالمجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي في الآية أن الأنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبدا قدما راكبا رأسه ومطيعا أمله ومسوفا لتوبته وهو حسن لا يأبى ذلك الأضراب وفيه إشارة إلى أن مفعول يريد محذوف دل عليه ليفجر وقال بعضهم هو منزل منزلة اللام ومصدره مقدر بلام الأستغراق أي يوقع جميع إرادته ليفجر وعن الخليل وسيبويه ومن تبعهما فيمثله أن الفعل مقدر بمصدر مرفوع بالأبتداء وليفعل خبر فالتقدير هنا بل إرادة الأنسان كائنة ليفجر يسئل سؤ الاستهزاء أيان يوم القيامة أي متى يكونو الجملة قيل حال وقيل تفسير ليفجر وقيل بدل منه واختار المحققون أنه استئناف بياني جيء به تعليلا لأرادة الدوام على الفجور إذ هو في معنى لأنه أنكر البعث واستهزأ به وفيه أن من أنكر البعث لا محالة يرتكب أشد

الصفحة 138