كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

عند الموت أيضا ويفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر منه وجمع الشمس والقمر باستتباع الروح حاسة البصر في ذالهاب والتعبير بالشمس عن الروح وبالقمر عن حاسة البصر على نهج الأستعارة فأن نور البصر بسبب الروح كما أن نور القمر بسبب الشمس أو يفسر الخسوف بما سمعت وجمع الشمس والقمر بوصول الأنسانية إلى من كانت تقتبس منه نور العقل وهم الأرواح القدسية المنزهة عن النقائص فالقمر مستعار للروح والشمس لسكان حظيرة القدس والملأ الاعلى لأن الروح تقتبس منهم الأنوار اقتباس القمر من الشمس ووجه الأتصال بما قبل على جعل الكل عند الموت أنه إذ ذاك ينكشف الأمر للأنسان فيعلم على أتم وجه حقيقة ما أخبر به وأنت تعلم أن هذا على علاته أقرب إلى باب الأشارة على منزع الصوفية وإذا فتح هذا الباب فلا حصر فيما ذكر من الاحتمال عند ذوي الألباب كلا ردع عن طلب المفر وتمنيه لا وزر لا ملجأ وأصله الجبل المنيع وقد كان مفرا في الغالب لفرار العرب واشتقاقه من الوزير وهو الثقل ثم شاع وصار حقيقة لكل ملجأمن جبل أو حصن أو سلاح أورجل أو غير ذلك ومنه قوله لعمرك ما للفتى من وزير
من الموت يدركه والكبر إلى ربك يومئذ المستقر أي إليه جل وعلا وحده استقرار العباد أي لا ملجأ ولا منجي لهم غيره عز و جل أو إلى حكمه تعالى استقرار أمرهم لا يحكم فيه غير سبحانه أو إلى مشيئته تعالى موضع قرارهم من جنة أو نار فمن شاء سبحانه أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار فتقديم الخبر لأفادة الأختصاص واختلف وجهه حسب اختلاف المراد بمستقر وكلا لا وزر يحتمل أن يكون من كلامه تعالى يقال للقائل أين المفر يوم يقوله أو هو مقول اليوم على معنى ليرتدع عن طلب الفرار وتمنيه ذلك اليوم ويحتمل أن يكون من تمام قول الأنسان كأنه بعد أن يقول أين المفر يعود على نفسه فيستدرك ويقول كلا لا وزر وأيا ما كان فالظاهر أن قوله تعالى إلى ربك يومئذ المستقر استئناف كالتعليل للجملة قبله أو تحقيق وكشف لحقيقة الحال والخطاب فيه لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يحسن أن يكون من جملة ما يخاطب به القائل ذلك اليوم ولا مما يقوله لنفسه فيه لمكان يومئذ وفي البحر الظاهر أن قوله تعالى كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر من تمام قول الأنسان وقيل هو من كلام الله تعالى لا حكاية عن الأنسان انتهى وفيه بحث وجوز أن تكون كلا بمعنى ألاالأستفتاحية أو بمعنى حقا فتأمل ولا تغفل ينبؤ الإنسان أي يخبر يومئذ وذلك على ما عليه الأكثر عند وزن الأعمال بما قدم أي بما عمل من عمل خيرا كان أو شرا فيثاب بالأول ويعاقب على الثاني وأخر أي ترك ولم يعمل خيرا كان أو شرا فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني أو بما قدم من حسنة أو سيئة وبما أخر ما سنه من حينة أو سيئة يعمل بها بعده أخرج ذلك ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن ابن مسعود وهو رواية عن ابن عباس وقال زيد بن أسلم بما قدم من ماله لنفسه فتصدق به في حياته وبما أخر منه للوارث وزيد أو وقفه أوأوصى به وقالمجاهد والنخعي بأول عمله وآخره وأخرج ابن جرير عن ابن عباس بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة وأخرج نحوه عن قتادة وعبد بن حميد نحوه أيضا عنعكرمة وعليه فالظاهر أنه عني بالأنسان الفاجر وفصل هذه الجملة عما قبلها لاستقلال كل منها ومنقوله تعالى يقول الخ في الكشف عن شدة الأمر أو عن سوء حالالأنسان بل الإنسان على نفسه بصيرة أي حجة بينة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه من الأعمال السيئة كما يؤذن به كلمة علي والجملة الحالية بعد فالأنسان مبتدأ وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير أعمال أو المعنى عليه من غير تقدير وبصيرة خبر وهي مجاز

الصفحة 140