كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

عن الحجة البينة الواضحة أو بمعنى بينة وهي صفة لحجة هي الخبر وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها بصير بها فالأسناد مجازي أو هي بمعنى دالة مجاز او جوز أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية والتأنيث للمبالغة أو لتأنيث الموصوف أعني حجة وقيل ذلك لأرادةالجوارح أي جوارحه على نفسه بصيرة أي شاهدة ونسب إلى القتبي وجوز أن يكون التقدير عين بصيرة وإليه ذهب الفراء وأنشد : كأن على ذي العقل عينا بصيرة
بمجلسه أو منظر هو ناظره يحاذر حتى يحسب الناس كلهم
من الخوف لا يخفي عليهم سرائره وعليه قيل الأنسان مبتدأ أول وبصيرة بتقدير عين بصيرة مبتدأ ثان وعلى نفسه خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول واختار أبو حيان أن تكون بصيرة فاعلا بالجار والمجرور وهو الخبر عن الأنسان وعمل بالفاعل لاعتماده على ذلك وأمرالتأنيث ظاهر وبل للترقي على الوجهين إرادة حجة بصيرة وإرادة عين بصيرة والمعنى عليهما ينبئو الأنسان بأعماله بل فيه ما يجزي عن الأنباء لأنه عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه بما عملت لأن جوارحه تنطق بذلك يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وفي كلا الوجهين كما قيل شائبة التجريد وهي في الثاني أظهر وقوله تعالى ولو ألقى معاذيره أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه حال من المستكن في بصيرة أو من مرفوع ينبؤ أي هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو أتى بكل عذر في الذب عنها ففيه تنبيه على أن الذب لا رواج له أو ينبؤ بأعماله ويجازي ويعاقب لا محالة ولو أتى بكل عذر فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى ينبؤ الأنسان الخ والمعاذير جمع معذرة العذر على خلاف القياس والقي اسمعا ذر بغير ياه وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في إطلاق ذلك على المجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليسمن أبنية اسم الجمع وقال صاحب الفرائد يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من إشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات نعم قال السدي والضحاك المعاذير الستور بلغة اليمن واحدها معذار وحكى ذلك عن الزجاج أي ولو أرخى ستوره والمعنى أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يعني عنه شيئا لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم الآية وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر فالمعنى بل الأنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو ذتستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد كماتقدم والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الأعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للأستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروي للعطش ويشير إلى هذا قول السدي في ذلك ولو أدلى بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولوأحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لو لا أنتم لكنا مؤمنين ولو على جميع هذه الأقوال إما أن يكون معنى الشرطية منسلخا عنها كما قيل فلا جواب لها إن يكون باقيا فيها فالجواب محذوف يدل عليه ما قبلواستظهر الخفاجي الأول وفي الآية على بعض وجوهها دليل كما قال ابن العربي على قبول إقرار المرء على نفسه وعدم قبول الرجوع عنه والله تعالى أعلم أخرج الأمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم والبيهقي معافي الدلائل وجماعة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك به لسانه وضفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله تعالى لا ترك به لسانك الخ فكانر صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق وفي

الصفحة 141