كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

لفظ استمع فإذا ذهب قرأه كما وعد الله عز و جل فالخطاب في قوله تعالى لا تحرك به لسانك للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والضمير للقرآن لدلالة سياق الآية نحو إناأنزلناه في ليلة القدر أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي من قبل أن يقضي إليك وحيه لتعجل به أي لتأخذه على عجلة مخافة أي ينفلت منك على ما يقتضيه كلام الحبر وقيل لمزيد حبك له وحرصك على أداء الرسالة وروي عن الشعبي ولا ينافي ما ذكر والباء عليهما للتعدية إن علينا جمعه في صدرك بحيث لا يذهب عليك شيء من معانيه وقرآنه أي إثبات قراءته في لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرآن هنا وكذا فيما بعد مصدرك الرجحان بمعنى القراءة كما في قوله ضحوا باشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا مضاف إلى المفعول وثم مضاف مقدر وقيل قرآنه أي تأليفه والمعنى إن علينا جمعه أي حفظه في حياتك وتأليفه على لسانك وقيل قرآنه تأليفه وجمعه على أنه مصدر قرأت أي جمعت ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد ما قرأت سلي قط وقول عمرو بن كلثوم ذراعي بكرة أدماء بكر
هجان اللون لمتقرأ جنينا ويراد من جمعه الأول جمعه في نفسه ووجوه الخارجي ومن قرآنه بهذا المعنى جمعه في ذهنه صلى الله تعالى عليه وسلم وكلا القولين لا يخفى حالهما وإن نسب الأول إلى مجاهد فإذا قرأناه أن أتم منا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام المبلغ عنافا فالأسناد مجازي وفي ذلك مع اختيار نونالعظمة مبالغة في إيجاب التأتي فاتبع قرآنه فكن مقفيا له لا مباريا وقيل أي فإذا قرأناه فاتبع بذهنك وفكر كقرآنه فاستمع وأنصت وصح هذا من رواية الشيخين وغيرهما عن ابن عباس وعنه أيضا وعن قتادة والضحاك أي فاتبع في الأمر والنواهي قرآنه وقيل اتبع قرآنه بالدرس على معنى كرره حتى يرسخ في ذهنك ثم إن علينا بيانه أي بيان ما أشكل عليك من معانيه وأحكامه على ما قيل واستدل به القاضي أبو الطيب ومن تابعه على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لمكان ثم وتعقب بأنه يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل وقد صح من رواية الشيخين وجماعة عن الخبر أنه قال في ذلك ثم إن علينا أننبينه بلسانك في لفظ علينا أن تقرأه ويؤيد ذلك أن المراد بيان جميع القرآن والمجمل بعضه كلا إرشاد لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وأخذ به عن عادةالعجلة وترغيب له عليه الصلاة و السلام في الأناة وبالغ سبحانه في ذلك لمزيد حبه إياه باتباعه قوله تعالى بلتحبون العاجلة وتذرون الآخرة تعميم الخطاب للكل كأنه قيل بل أنتم يا بني آدم لماخلقتم من عجل وجبلتم عليه تعجلون في كل شيء ولذاتحبون العاجلة وتذرون الآخرة ويتضمن استعجالك لأن عادة بني آدم الأستعجال ومحبة العاجلة وفيه أيضا أن الأنسان وإن كان مجبولا على ذلك إلا أن مثله عليه الصلاة و السلام منه و في أعلى منصب النبوة لا ينبغي أن يستفزه مقتضى الطباع البشرية وأنه إذا انتهى ص - عن العجلة في طلب العلم والهدى فهؤلاء ودينهم حب العاجلة وطلب الردى كأنهم نزلوا منلا ينجع فيهم النهي فإنما يعابت الأديم ذو البشرة ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه بل يريد الأنسان ليفجر أمامه فإنه ملوح إلى معنى بل تحبون الخ وقوله عز و جل لا تحرك الخ متوسط بين حبي العاجلة حبها الذي تضمنه بل يريد تلويحا وحبها الذي آذن به بل تحبون تصريحا لحسن التخلص منه إلى المفاجأة والتصريح ففي ذلك تدرج ومبالغة في التقريع والتدرج وإن كان يحصل لو

الصفحة 142