كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

لم يؤت بقوله سبحانه لا تحرك الخ في البين أيضا إلا أنه يلزم حينئذ فوات المبالغة في التقريع وأنه إذا لم تجز العجلة في القرآن وهو شفاء ورحمة فكيف فيما هو فجور وثبور ويزول ما أشير إليه من الفوائد فهو استطراد يؤدي مؤدى الأعتراض وأبلغ وأطلق بعضهم عليه الأعتراض وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ومجاهد والحسن وقتادة والجحدري يحبون ويذرون بباءالغيبة فيهما وأمر الربط عليها كما تقدم وهي أبلغ من حيث أن فيها التفاتا وأخراجا له عليه الصلاة و السلام منصريح الخطاب بحب العاجلة مضمنا طرفا من التوبيخ على سبيل الرمز لطفا منه تعالى شأنه في شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وأما القراءة بالتاء ففيها تغليب المخاطب والألتفات وهو عكس الأول هذا خلاصة ما رمز إليه جار الله على ما أفيد وقد اندفع به قول بعض الزنادقة وشرمذة من قدماء الرافضة أنه لا وجه لوقوع لا تحرك به لسانك الخ في أثناء أمور الآخرة ولا ربط في ذلك بوجه من الوجوه وجعلوا ذلك دليلا لما زعموه من أن القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص منه وللعلماء حماة المسلمين وشهب سماء الدين في دفع كلام كثير منه ما تقدم وللأمام أوجه فيه منها الحسن ومنها ما ليس كذلك بالمرة وقال الطيب بأن قوله تعالى كلا بل تحبون العاجلة متصل بقوله تعالى ولو ألقى معاذيره أي يقال للأنسان عند إلقاء معاذيره كلا إن أعذارك غير مسموعة فإنك فجرت وفسقت وظننت أنك تدوم على فجورك وأن لا حشر ولا حساب ولا عقاب وذلك من حبك العاجلة والأعراض عن الآخرة وكان من عادة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أنه إذا لقن القرآن أن ينازع جبريل عليه السلام القراءة وقد أنفق عند التلقين للآيات السابقة ما جرت به عادته من العجلة فلما وصل إلى قوله تعالى ولو ألقى معاذيره أوحي إلى جبريل عليه السلام بأن يلقي إليه عليه الصلاة و السلام ما يرشده إلى أخذ القرآن على أكمل وجه فألقى تلك الجمل على سبيل الأستطراد ثم عاد إلى تمام ما كان فيه بقوله تعالى كلا بل تحبون الخمثاله الشيخ إذا كان يلقن تلميذه درسا أو يلقن إليه فصلا ورآه في أثناء ذلك يعجل ويضطر بيقول له لا تعجل ولا تضطرب فإني إذ فرغت أن كان لك إشكال أزيله أو كنت تخاف فوتا فأنا أحفظه ثم يأخذ الشيخ في كلامه ويتممه انتهى فما في البين مناسب لما وقع في الخارج دون المعنى الموحي به وخصه بعضهم لهذا بالأستطراد وأطلق آخر عليه الأعتراض بالمعنى اللغوي وهذا عندي بعيد لميتفق مثله في النظم الجليل ولا دليل لمن يراه على وقوع العجلة في أثناء هذه الآيات سوى خفاء المناسبة وقال أبو حيان يظهر أن المناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنه سبحانه لما ذكر منكر القيامة والبعث معرضا عن آيات الله تعالى ومعجزاته وأنه قاصر شهواته علىالفجور غير مكترث بما يصدر منه ذكر حال من يثابر على آيات الله تعالى وحفظها وتلقنها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها رجاء قبوله إياها ليظهر بذلك تباين من يرغب في تحصيل آيات الله تعالى ومن يرغب عنها
وبضدها تتبين الأشياء
انتهى وفيه أن هذا إنما يحسن بعد تمام ما يتعلق بذلك المنكر والظاهر أن لا تحرك الخ وقع في البين وقال القفال قوله تعالى لا تحرك الخ خطاب للأنسان المذكور في قوله تعالى ينبؤ الأنسان وذلك حال إنبائه بقبائح أفعاله يعرض عليه كتابه فيقال له اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فإذا أخذ فيالقراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فقيل له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قراءته بالأقرار بأنك فعلت تلك الأفعال أو التأمل فيه ثم إن علينا بيانه أي بيان أمره وشرح عقوبته والحاصل على هذا أنه تعالى يوقف الكافر على جميع أعماله على التفصيل وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة انتهى فضمير به وكذاالضمائر بعد للكتاب المشعر به قوله تعالى ينبؤ الأنسان بما قدم وأخر وكذا قوله تعالى بل

الصفحة 143