كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

الأنسان على نفسه بصيرة على قول من تفسر البصيرة بالكتابين ولعل الجملة على هذا الوجه في موضع الحال من مرفوع ينبؤ بتقدير القول كأنه قيل ينبؤ الأنسان يومئذ عند أخذ كتابه بما قدم وأخر مقولا له لا تحرك به لسانك الخ فالربط عليه ظاهر جدا ومن هنا اختاره البلخي ومن تبعه لكنه مخالف للصحيح المأثور الذي عليه الجمهور من أن ذلك خطاب له ص - والظاهر أن التحريك قبل النهي إنما صدر منه عليه الصلاة و السلام بحكم الإباحة الأصلية فلا يتم احتجاج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية وقال الإمام لعل ذلك الأستعجال إن كان مأذونا فيه عليه الصلاة و السلام إلى وقت النهي وكأنه أراد بالأذن الأذن الصريح المخصوص وفيه بعدما وعن الضحاك أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك وشق عليه فنزل لا تحرك به الخ وليس بالثبت ولعل ظاهر الآية لا يساعده ثم أنه ربما يتخيل في الآية وجه غير ما ذكر عن القفال الربط عليه ظاهر أيضا وهو أنه يكون الخطاب في لا تحرك الخ لسيد المخاطبين حقيقة أو من باب إياك أعني واسمعي أو لكل من يصلح له وضمير به ونظائره ليوم القيامة والجملة اعتراض جيء به لتأكيد تهويله وتفظيعه مع تقاضي السباق له فكأنه لما ذكر سبحانه مما يتعلق بذلك اليوم الذي فتحت السورة بعظامهما يتعلق قوي داعي السؤال عن توقيته وأنه متى يكون وفي أي وقت يبين لا سيما استشعر أن السؤال عن ذلك إذا لم يكن استهزاء مما لا بأس به فقيل لا تحرك به أي بطلب توقيته لسانك وهو نهي عن السؤال على أتموجه كما يقال لا تفتح فمك في أمر فلان لتعجل به لتحصل علمه على عجلة إن علينا جمعه ما يكون فيه من الجمع وقرآنه ما يتضمن شرح أحواله وأهواله من القرآن فإذا قرأناه ما يتعلق به فاتبع قرآنه بالعمل بما يقتضيه من الأستعداد له ثم إن علينا بيانه إظهاره وقوعا بالنفخ في الصور وهو الطامة الكبرى وحاصله لا نسأل عن توقيت ذلك اليوم العظيم مستعجلا معرفة ذلك فإن الواجب علينا حكمة حشر الجمع فيه وإنزال قرآن يتضمن بيان أحواله ليستعد له وإظهاره بالوقوع الذي هو الداهية العظمى وما عدا ذلك من تعيين وقته فلا يجب علينا حكمة بل هو مناف للحكمة فأذا سأل تفقد سألت ما ينافيها فلا تجاب انتهى وفيه ما فيه وما كنت أذكره لو لا هذا التنبيه واللائق بجزالة التنزيل ولطيف إشاراته ما أشار إليه ذو اليد الطولي جار الله تجاوز الله تعالى عن تقصيراته فتأمل فلا حجر على فضل الله عز و جل ولما ردع سبحانه عن حب العاجلة وترك الآخرة عقب ذلك بما يتضمن تأكيد هذا الردع مما يصير إلى حسن عاقبة حب الآخرة وسوء مغبة العاجلة فقال عز من قائل وجوه يومئذ ناضرة أي وجوه كثيرة وهي وجوه المؤمنين المخلصين يوم إذ تقوم القيامة بهية متهللة من عظيم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم على أن وجوه مبتدأ وناظرة خبره ويومئذ منصوب بناظرة وناظرة في قوله تعالى إلى ربها ناظرة خبر ثان للمبتدأ أو نعت لناضرة وإلى ربها متعلق بناظرة وصح وقوع النكرة مبتدأ لأن الموضع موضع تفصيل كما في قوله فيوم لنا ويوم علينا
ويوم نساء ويوم نسر لا على أن النكرة تخصصت بيومئذ كما زعم ابن عطية لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثث ولا على أن ناضرة صفة لها والخبر ناظرة كما قيل لما أن المشهور الغالب كون الصفة معلومة الأتتساب إلى الموصوف عند السامع وثبوت النظرة للوجوه ليس كذلك فحقه أن يخبر به نعم ذكر هذا غير واحد احتمالا في الآية وقال أبو حيان هو قول سائغ ومعنى كونها ناظرة إلى ربها أنها تراه تعالى مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه ولا حجر على الله عز و جل وله جل وعلا لتنزه الذاتي التام

الصفحة 144