كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

وكنا حسبنا أن ليلى تبرقعت
وأن حجابا دونها يمنع اللثما فلاحت فلا والله ما ثم حاجب
سوى أنطرفي كان عن حسنها أعمى ثم إن أجهل الخلق عندهم المعتزلة وأشدهم عمى وأدناهم منزلة حيث أنكروا صحة رؤية من لا ظاهر سواه بل لا موجود على الحقيقة إلا إياه وأدلة إنكارهم صحة رؤيته تعالى مذكورة مع ردودها في كتب الكلام وكذا أدلة القوم على الصحة وكأني بك بعد الأحاطة وتدقيق النظر تميل إلى أنه سبحانه وتعالى يرى لكن لا من حيث ذاته سبحانه البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعشعاني الذي لا يطاق وقرأ زيد بن علي وجوه يومئذ نضرة بغير ألف ووجوه يومئذ باسرة أي شديدة العبوس وباسل أبلغ من باسر فيما ذكر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتدت كلوحته فعدل عنه لإيهامه غيرالمراد وعني بهذه الوجوه وجوه الكفرة تظن أن يفعل بها فاقرة أي داهية عظيمة تقصم فقار الظهر من فقره أصاب فقاره وقال أبو عبيدة فاقرة من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار وفاعل نظن ضمير الوجوه بتقدير مضاف أي تظن أربابها وجوز أن يكون الضمير راجعها إليها على أن الوجه بمعنى الذات استخداما وفيه بعد والظن قيل أريد به اليقين واختاره الطيبي وإن المصدرية لا نقع بعد فعل التحقيق الصرف دون فعل الظن أو ما يؤدي معنى العلم فتقع بعده كالمشددة والمخففة على ما نص عليه الرضي وقيل هو على معناه الحقيقي المشهور والمراد تتوقع ذلك واختاره من اختاره ولا دلالة فيه بواسطة التقابل على أن يكون النظر ثم بالمعنى المذكور كما زعمه من زعمه وتحقيق ذلك أن ما يفعل بهم في مقابلة النظر إلى الرب سبحانه لكون ذلك غاية النعمة وهذا غاية النقمة وجيء بفعل الظن ههنا دلالة على أن ما هم فيه وأن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبدا وذلك لأن المراد بالفاقرة ما لا يكننه من العذاب فكل ما يفعل به من أشده استدل منه على آخر وتوقع أشد منه وإذا كان ظانا كان أشد عليه مما إذاكان عالما موطنا نفسه على الأمر على أن العلم بالكائن واقع لا بما يتجدد آنا فآنا فهذا وجه الأتيان يؤت في المقابل بفعل ظن أو علم لأنه موصلوا إلى ما لا مطلوب وراءه وذاقوه ثم بعد ذلك التفاوت في ذلك النظر قوة وضعفا بالنسبة إلى الرائي على ما قرره فلعل هذا حجة على الزاعم لا له أسبغ الله علينا برؤيته فضله كلا ردع عن إيثار العاجلة على الآخرة كأنه قيل ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده مابينكم وبين العاجلة من العلامة إذا بلغت أي النفس أو الروح الدالعلى سياق الكلام كما في قول حاتم أماوي ما يغنى الثراء عن الفتى
إذا حشر جت يوما وضاق بها الصدر ونحو قول العرب أرسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم يقولون أرسلت السماء نعم قد يصرح فيما هنا بالفاعل فيقال بلغت النفس التراقي أي أعالي الصدر وهي العظام المكتنفة ثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة وأنشدوا لدريد بن الصمة ورب عظيمة رافعت عنهم
وقد بلغت نفوسهم التراقي وقيل من راق أي قال من حضر صاحبها من يرقيه وينجيه مما هو فيه من الرقية وهي ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك ومنه آيات الشفاء ولعلة أريد به مطلق الطبيب أعم من أن يطبب القول أو بالفعل وروي عن ابن عباس والضحاك وأبو قربة وقتادة ما هو ظاهر فيه والأستفهام عند بعض حقيقي وقيل هو استفهام استبعاد وإنكار أي قد بلغ مبلغا لا أحد يرقيه كما يقال عند اليأس من ذا الذي يقدر أني رقى هذا المشرف على الموت وروى

الصفحة 146