كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

رهينة وخرج لطلب الفداء وروي محيي السنة عن مجاهد وابن جبير وعطاء أنهم قالوا هو المسجون من أهل القبلة وفيه دليل على إطعام أهل الحبوس المسلمين حسن وقد يقال لا يحسن إطعام المحبوس لوفاء دين يقدر على وفائه إنما امتنع عنه تعنتا ولغرض من الأغراض النفسانية وعن أبي سعيد الخدري هو المملوك والمسجون وتسمية المسجون أسيرا مجاز لمنعه عن الخروج وأما تسمية المملوك فمجاز أيضا لكن قيل باعتب كان وقيل باعتبار شبهه به في تقييده بأسار الأمر وعدم تمكنه من فعل ما يهوى وعدم الغريم أسيرا لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك وهو على التشبيه البليغ إلا أنه قيل في هذا الخبر ما قيل في الخبر الأول وقال أبو حمزة اليماني هي الزوجة وضعه ههنا ظاهر إنما نطعمكم لوجه الله على إرادة قول هو في موضع الحال من فاعل يطعمون أي قائلين ذلك بلسان الحال لما يظهر عليهم من إمارات الإخلاص وعن مجاهد أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله تعالى منهم فائني سبحانه به عليهم ليرغب فيه راغب أو بلسان المقال إزاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للأجر وعن الصديقة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقي لها ثواب الصدقة خالصا عند الله عز و جل وجوز أن يكون قولهم هذا لهم لطفا وتفقيها وتنبيها على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله تعالى وليس بذاك وقوله سبحانه لا نريد منكم جزاء بالأفعال ولا شكورا ولا شكرا وثناء بالأقوال تقرير وتأك لما قبله إنا نخاف من ربنا يوما أي عذاب يوم فهو على تقدير مضاف أو أن خوفه كناية عن خوف ما فيه عبوسا تعبس الوجوه على أنه من الإسناد المجازي كما في نهاره صائم فقد روي عن ابن عباس أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران أو يشبه الأسد العبوس على أنه من الأستعارة المكنية التخييلية لكن لا يخفى أن العبوس ليس من لوازم الأسد وإنما اشتهر وصفه به ففي التخييلية ما قيل أنه من التشبيه البليغ قمطريرا شديد العبوس ويقال شديدا صعبا التف شره بعضه ببعض وقيل طويلا وهو رواية عن ابن عباس وجاء قماطر وأنشدوا لأسد بن ناغصة وأصطليت الحروب في كل يوم
باسل الشر قمطرير الصباح بني عمنا هل تذكرون بلائنا
عليكم إذا ما كان يوم قماطر وقول آخر وإلى الأول ذهب الزجاج فقال القمطرير الذي يعبس حتى يجتمع ما بين عينيه ويقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وزمت بأنها وجمعت قطريها أيجانبيها كأنها تفعل ذلك إذ الحقت كبرا وقيل لتضع حملها فاشتقاقه عنده على ما قيل من قطر بالأشتقاق الكبير والميم زائدة وهذا لا يلزم الزجاج فيجوز أن يكون مشتقا كذلك من القمط ويقال إذا شده وجمع أطرافه وفي البحر يقال اقمطر فهو مقمطر وقمطرير وقماطر إذا صعب واشتد واختلف في هذاالوزن وأكثر النحاة لا يثبتون أفمعل في أوزان الأفعال وهذه الجملة جوز أن تكون علة لإحسانهم وفعلهم المذكور كأنه قيل نفعل بكم ما نفعل لأنا نخاف يوما صفته كيت وكيت فنحن نرجو بذلك أن يقينا ربنا جل وعلا شره وأن تكون علة إرادة الجزاء والشكور أي لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالىعلى طلب المكافاة بالصدفة وإلى الوجهين أشار في الكشاف وقال في الكشف الثاني أوجه ليبقى قوله لوجه الله خالصا غير مشرب بحظ النفس من جلب نفع أو دفع ضر ولو جعل علة للإطعام المعلل على المعنى إنما خصصنا الإحسان لوجهه تعالى لأنا نخاف يوم جزائه ومن خافه لازم الإخلاص لكان وجها فوقاهم الله شر ذلك اليوم بسبب خوفهم وتحفظهم عنه وقرأ أبو

الصفحة 156