كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

من تحت العرش من جنة عدن تتسلسل إلى الجنان وفي البحر الظاهر أن هذه العين تسمى سلسبيلا بمعنى توصف بأنها سلسلة الأنسياغ سهلة في المذاق ولا يحمل سلسبيل على أنه اسم حقيقة لأنه ذاك كان ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية وقد روي عن طلحة أنه قرأه بغير ألف جعله علما لها فإن كان علما فوجه قراءة الجمهور بالتنوين المناسبة للفواصل كما قيل في سلاسل وقوارير أو زعم الزمخشري أن الباء زيدت فيه حتى صارت الكلمة خماسية فإن عني أنها زيدت حقيقة فليس بجيد لأن الباء ليست من حروف الزيادة المعهودة وإن عني أنها حرف في سنح الكلمة في سلسل ولا في سلسال صح ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفا في المادة انتهى وفي الكشف لا يريد الزيادة المصطلحة ألا ترى إلى قوله حتى صارت خماسية وهو أيضا من الأشتقاق الأكبر فلا تغفل وقال بعض المعربين سلسبيلا أمر للنبي ولأمته بسؤال السبيل إليها وعزوه إلى علي كرم الله تعالى وجهه وهو غير مستقيم بظاهره إلا أن يراد أن جملة قول القائل سلسبيلا جعلت اسما للعين كما قيل تأبط شرا وذوي حبا وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع وعزوه إلىالأمير كرم الله تعالى وجهه أبدع ونص بعضهم على أنه افتراء عليه كرم الله تعالى وجهه وفي شعر ابن مطران الشاشي سلسبيلا فيها إلى راحة النفس
براح كأنها سلسبيل وفي الجناس الملف قول استعمله غير واحد من المحدثين ويطوف عليهم أي للخدمة ولدان مخلدون أي دائمون على ما هم فيه من الطراوة والبهاء وقيل مقرطون بخلدة وهي ضرب من القرطة وجاء في حديث أخرجه ابن مردوية عن أنس مرفوعا أنهم آلاف خادم وفي بعض الآثار أضعاف ذلك
والجود أعظم والمواهب أوسع
ويختلف ذلك قلة وكثرة باختلاف أعمال المخدومين إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا لحسنهم وصفاء ألوانهم وأشراق وجوه وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم وانعكاس أشعة بعضهم إلى بعض وقيل شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء وعليه من تشبيه المفرد لأن الأنبثات غير ملحوظ والخطاب في رأيتهم للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل واقف عليه وكذا في قوله تعالى وإذا رأيت ثم أي هناك يعني في الجنة وهو في موضع النصب على الظرف ورأيت منزل منزلة اللازم فيفيد العموم في المقام الخطابي فالمعنى إن بصرك إينما وقع في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا عظيم القدر لا تحيط به عبارة وهو يشمل المحسوس والمعقول وقال عبد الله بن عمرو الكلبي عريضا واسعا يبصر أدناهم منزلة في الجنة في ملك مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وذلك لما يعطى من حدة النظر أو هو من خصائص الجنة وقال مجاهد هو استئذان الملائكة عليهم السلام فلا يدخلون عليهم إلا بإذن وقال الترمذي وأظنه كما ظن أبو حيان الحكيم لا أبا عيسى المحدث صاحب الجامع هو ملك التكوين والمشيئة إذا أرادوا شيئا كان وقيل هو النظر إلى الله عز و جل وقيل غير ذلك وقيل الملك الدائم لا زوال له وزعم الفراء أن المعنى وإذا رأيت ما ثم رات الخ وخرج على أنه أراد أن ثم ظرف وقعصلة لموصوف محذوف هو مفعول رأيت والتقدير وغذا رأيت ما ثم رأيت نعيما الخ فحذف ما كما حذف في قوله تعالى لقد تقطع بينكم أي ما بينكم وتعقبه الزجاج ثم الزمخشري بأنه خطأ لأنه لا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة وأنت تعلم أن الكوفيين يجيزون ذلك ومنه قوله فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء أرادوا من يمدحه فحذف الموصول وأبقي صلته وقد يقال أن ذلك إنما يرد لو أراد أن الموصول مقدر أما لو أراد المعنى وإن الظرف يغني عناء المفعول به فهو كلام صحيح لأن الظرف والمرئي كليهما الجنة وقرأ حميد الأعرج ثم بضم

الصفحة 161