كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

الثاء حرف عطف وجواب غذا على هذا المحذوف يقدر بنحو تحير فكرك أو بنحو رأيت عاملا في نعيما عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق قيل عاليهم ظرف بمعنى فوقهم على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر والجملة حال من الضمير المجرور في عاليهم فهي شرح لحال الأبرار المطوف عليهم وقال أبو حيان إن عالي نفسه حال من ذلك الضمير وهو اسم فاعل وثياب مرفوع على الفاعلية به ويحتاج في إثبات كونه ظرفا إلى أن يكون منقولا من كلام العرب عاليك ثوب مثلا ومثله فيما ذكر عالية وقيل حال من ضمير لقاهم أو من ضمير جزاهم وقيل من الضمير المستتر في متكئين والكل بعيد وجوز كون الحال من مضاف مقدر نعيما أو قبل ملكا أي رأيت أهل نعيم أو أهل ملك عاليهم الخ وهو تكلف غير محتاج إليه وقيل صاحب الحال الضمير المنصوب في حسبتهم فهي شرح لحال الطائفتين ولا يخفى بعده لما فيه من لزوم التفكيك ضرورة أن ضمير سقاهم فيما بعد كالمتعين عوده على الأبرار وكونه من التفكيك مع القرينة المعينة وهو مما لا بأس به ممنوع واعترض أيضا بأن مضمون الجملة يصير داخلا تحت الحسبان وكيف يكون ذلك وهم لابسون الثياب حقيقة بخلاف كونهم لؤلؤا فإنه على طريق التشبيه المقتضي لقرب شبههم باللؤلؤ أن يحسبوا لؤلؤا وأجيب بأن الحسبان في حال من الأحوال لا يقتضي دخول تحت الحسبان ورفع خضر على أنه صفة ثياب واستبرق على أنه عطف على ثياب والمراد وثياب استبرق والسندس قال ثعلب ما رق من الديباج وقيل ما رق من ثياب الحرير والفرق أن الديباج ضرب من الحرير المنسوج يتلون ألوانا وقال الليث هو ضرب من البزيون يتخذ من المعز وهو معرب بلا خلاف بين أهل اللغة على ما في القاموس وغيره وزعم بعض أنه مع كونه معربا أصله سندي بياء النسبة لأنه يجلب من السند فأبدلت الياء سينا كما قال في سادى سادس وهو كما ترى والأستبرق قيل ما غلظ من ثياب الحرير وقال أبو إسحاق الديباج الصفيق الغليظ الحسن وقال ابن دريد ثياب حرير نحو الديباج وعن ابن عبادة هو بردة حمراء هو المنسوج من الذهب وهو اسم أعجمي معرب عند جمع أصله بالفارسية اسنبره وفي القاموس معرب استروه وحكى ذلك عن ابن دريد وأنه قال أنه سرياني وقيل معرب استفزه وما في صورة الفاء ليست فاء خالصة وإنما هي بين الفاء والباء وقيل عربي وافقت لغة العرب فيه لغة غيرهم واستصوبه الأزهري وكما اختلفوا فيه هل هو معرب أو عربي اختلفوا هل هو نكرة أو علم جنس مبني أو معرب أو ممنوع من الصرف وهمزته همزة قطع أو وصل والصحيح على ما قال الخفاجي أنه نكرة معرب مصروف مقطوع الهمزة كما يشهد به القراءة المتواترة وسيعلم إن شاء الله تعالى حال ما يخالفها وفي جامع التعريب أن جمعه أبارق وتصغيره أبيرق حذفت السين والتاء في التكسير لأنهما زيدتا معا فأجرى مجرى الزيادة الواحدة وفي المسئلة خلاف أيضا مذكور في محله ولم يذكر لون هذا الأستبرق وأشار ناصر الدين إلى أنه الخضرة فخضر وإن توسط بين المعطوف والمعطوف عليه فهو لهما وعلى كل حال هذه الثياب لباس وربما تشعر الآية بأن تحتها ثيابا أخرى وقيل على وجه الحالية من ضمير متكئين أن المراد فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس الخ وحاصله أن حجالهم مكللة بالسندس والأستبرق وقرأ ابن عباس بخلاف عنه والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن ونافع وحمزة عاليهم بسكون الياء وكسر الهاء وهي رواية عن عاصم فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء على أنه مبتدأ وثياب خبره وعند الأخفش فاعل سد مسد الخبر وقيل على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر وأخبر به عن النكرة لأنه نكرة وإضافته لفظية وهو في معنى الجماعة كما في سامرا تهجرون على ما صرح به مكي ولا حاجة إلى التزامه على رأي الأخفش وقيل هو باق على النصب والفتحة مقدرة على الياء وأنت تعلم

الصفحة 162