كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

به أيضا عن الرفاهة وعن العزة والمناعة وعن هذا المعنى حمل الراغب ما في الآية والمتب منه ما هوالمعروف ويؤيدهما تقدم في المقابل انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب الخ وقراء الأعمش في ظل جمع ظلة وأيا كان فالمراد من قوله تعالى إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون إنهم مستقرون في فنون الترفه وأنواع التنعم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون مقدر بقوله و حال من ضمير المتقين في الخبر كأنه قيل مستقرون في ذلك مقولا لهم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون في الدنيا من العمل الصالح بالأيمان وغير ذلك إنا كذلك أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين لا جزاء أدنى منه والمراد بالمحسنين المتقون السابق ذكرهم إلا أنه وضعوضعالظاهر موضع الضمير مدحالهمبصفة الأحسان أيضا مع الأشعار بعلة الحكم وجوز أن يراد بالمتقينو المحسنين الصالح المؤمنين ولا دليل في هل لمعتزلة على خلود العصاة أهل الكبائر في النار وغاية الأمرعدم التعرض لحالهم ويل يومئذ للمكذبين حيث نال أعداؤهم هذا الثواب العظيم وهم بقوا في العذاب الأليم كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون حال من المكذبين على ما ذهب إليه غير واحد من الأجلة أي الويل ثابت لهم في حالما يقال لهم ذلك تذكيرا لما كان يقال لهم في الدنيا ولما كانوا أحقاءب به حيث تركوا الخط الكثير إلى النزر الحقير فيفيد التحسير والتخسير وعلى طريقته قوله أخوتي لا تعبدوا أبدا
وبلى والله قد بعدوا فهو دعاء لأخوته بعدم الهل هلاكهم تقريرا بأنهم كانوا أحقاء بذلك الدعاء في حاتهمو إنه لا كهم لحينونة الأجل المسمى لا لأنه مكانوا أحقاء بالدعاء عليه موذهب أبو حيان إلى أنه كلام مستأنف خوطب به المكذبون في الدنيا والأمر فيه أمر تحسير وتهديد وتخسير ولم يعتبر التهديد على الأول لأنه غير مقصود في الآخرة ورجح بأنه أبعد من التعسفو أو فقلت أليف النظم والظاهر أن قوله سبحانه إنكم الخ في موضع التعليل وفيه دلالة على أن كل مجرم نهايته تمتع أيام قليلة ثم يبقى في عذاب وهلاك أبدا ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا أي أطيعوا الله تعالى واخشعوا وتواضعوا له عز و جلب قبول وحيه تعالى واتباع دينه سبحانه وارفضوا هذاالستكبار والنخوة لايركعون لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على ما هم عليه من الأستكبار وقيل أي إذا أمر بالصلاة أو بالركوع فيها لا يفعلون إذ روي عن مقاتل إن الآية نزلت في ثقيف قالوا للرسول عليه الصلاة و السلام حط عنا الصلاة فأنا لا نجبي فإنها مسبة علينا فقال عليه الصلاة و السلام لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ورواه أيضا أبو داود والطبراني وغيرهما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال هذا يوم القيامة يدعون إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجلأنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا واتصال الآية على ما نقل عن الزمخشري بقوله تعالى للمكذبين كأنه قيل ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهما ركعوا لا يركعون وجوز أن يكون أيضا بقوله سبحانه أنكم مجرمون على طريقة الألتفات كأنه قيل هم أحقاء بأن يقال لهم كلوا وتمتعوا ثم علل ذلك بكونهم مجرمين وبكونهم إذا قيل لهم صلوا يصلونواستدل به على أن الأمر للوجوب وإن الكفار مخاطبون بالفروع ويلي ومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده أيبعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين وأخبارالنشأتين علىنمط بديع مع مؤسس على حج جقاطعة وبراهين ساطعة يؤمنون إذ لم يؤمنوا به والتعبير ببعده دون غيره للتنبيه على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يدانيه فضلا أن يفوته ويعاليه فلا حديث أحق بالإيمان

الصفحة 178