كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

وجهه وهو من باب الأفعال والمشهور أنه لازم وثلاثيه متعد فيقال كبه الله تعالى فأكب وقد جاء ذلك على خلاف القياس وله نظائر يسيرة كأمرت الناقة درت ومرتيها وأشنق البعير رفع رأسه وشنقته وأقشع الغيم وقشعته الريح أي أزالته وكشفته وانزفت البئر ونزفتها أخرجت ماءها وأنسل ريش الطائر ونسلته وقال بعضهم التحقيق أن الهمزة فيه للصيرورة فمعنى أكب صار ذا كب ودخل فيه كما في الأم إذا صار لئيما وانفض إذا صار نافضا لما في مزودته وليست للمطاوعة ومطاوع كب إنما هو انكب وقد ذهب إلى ذلك ابن سيده في المحكم تبعا للجوهري وغيره وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل إلا أن كلام بعض الأجلة ظاهر في التسوية بين المطاوعة والصيرورة وحكى ابن الأعرابي كبه الله تعالى وأكبه بالتعدية وفي القاموس ما هو نص فيه وعليه لا مخالفة للقياس والمعنى أفمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة لتوعر طريقه واختلاف أجزائه بانخفاض بعض وارتفاع بعض آخر أهدى وأرشد إلى المقصد الذي يؤمه أم من يمشي قائما سالما من الخبط والعثار على طريق مستوي الأجزاء لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولم يصرح بطريق الكافر بل أشير إليه بما دل على توعره وعدم استقامته أعني مكبا للأشعار بأن ما عليه لا يليق أن يسمى طريقا وفسر بعضهم السوي بمستوى الجهة قليل الإنحراف على أن المكب المتعسف الذي ينحرف هكذا وهكذا وهو غير مناسب هنا لأن قوله تعالى على صراط مستقيم يصير كالمكرر وأفعل هنا مثله على ما في البحر في قولك العسل أحلى من الخل والآية على ما روي عن ابن عباس نزلت في أبي جهل عليه اللعنة وحمزة رضي الله تعالى عنه والمراد العموم كما روي عن ابن عباس أيضا ومجاهد والضحاك وقال قتادة نزلت مخبرة عن حال الكافر والمؤمن في الآخرة فالكفار يمشون فيها على وجوههم والمؤمنون يمشون على استقامة وروي أنه قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم كيف يمشي الكافر على وجهه فقال عليه الصلاة و السلام أن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه وعليه فلا تمثيل وقيل المراد بالمكب الأعمى وبالسوي البصير وذلك إما من باب الكناية أو من باب المجاز المرسل وهو لا يأبى جعله بعد تمثيلا لمن سمعت كما هو معلوم في محله
قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة أي القلوب
قليلا ما تشكرون أي تلك النعم كأن تستعملون السمع في سماع الآيات التنزيلية على وجه الإنتفاع بها والإبصار في النظر بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤن الله عز و جل والأفئدة بالتفكر بها فيما تسمعونه وتشاهدونه ونصب قليلا على أنه صفة مصدر مقدر أي شكرا قليلا وما مزيدة لتأكيد التقليل والجملة حال مقدرة والقلة على ظاهرها أو بمعنى النفي أن كان الخطاب للكفرة وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة والأول أولى
قل هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم وكثركم فيها لا غيره عز و جل
وإليه تحشرون للجزاء لا إلى غيره سبحانه اشتراكا أو استقلالا فابنوا أمركم على ذلك
ويقولون من فرط عتوهم ونفورهم متى هذا الوعد أي الحشر الموعود كما ينبيء عنه قوله تعالى وإليه تحشرون
إن كنتم صادقين يخاطبون به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين حيث كانوا مشاركين له عليه الصلاة و السلام في الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيء الساعة والحشر فبينوا وقته
قل إنما العلم أي العلم بوقته عند الله عز و جل لا يطلع عليه غيره عز و جل كقوله تعالى قل إنما علمها عند ربي
وإنما أنا نذير مبين أنذركم وقوع الموعود لا محالة وأما العلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الإنذار
والفاء في قوله تعالى فلما رأوه فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترتيب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه فلما رأوه الخ وهذا

الصفحة 20