كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
ورحمته سبحانه كأطفال الكفار عند الجمهور وروى ابن جبير عن ابن عباس أن الزنيم هو الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة الزنمة وفي رواية ابن أبي حاتم عنه هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء والمآل واحد وعنه أيضا أنه المعروف بالأبنة ولا يخفى أن المأبون معدن الشرور بل من لم يصل في ذلك الأمر الشنيع إلى تلك المرتبة كذلك في الأغلب ولا حاجة إلى كثرة الإستشهاد في هذا الباب وفي قول الشاعر الإكتفاء وهو
ولكم بذلت لك المودة ناصحا ... فغدوت تسلك في الطريق الأعوج
ولكم رجوتك للجميل وفعله ... يوما فناداني النهى لا ترتج
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أنه قال نزل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا تطع كل حلاف الخ فلم يعرف حتى نزل عليه الصلاة و السلام بعد ذلك زنيم فعرفناه له زنمة في عنقه كزمة الشاة واستشكل هذا بأن الزنيم عليه ليس صفة ذم فضلا عن كونه أعظم فيه من الصفات التي قبل ذلك على ما يفيده بعد ذلك ولا يكاد يحسن تعليل النهي به على أن من المعلوم أن ليس المراد بالموصوف بهذه الصفات شخصا بعينه لمكان كل ويحمل ما جاء في الروايات من أنه الوليد بن المغيرة المخزومي وكان دعيا في قريش ليس من سنخهم ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده أو الحكم طريد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو الأخنس بن شريق وكان أصله من ثقيف وعداده في زهرة أو الأسود ابن عبد يغوث أو أبو جهل على بيان سبب النزول وقيل في ذلك أن المراد ذمه بقبح الخلق بعد ذمه بما تقدم وهو كما ترى فتأمل فلعلك تظفر بما يريح البال ويزيح الإشكال
وقوله تعالى أن كان ذا مال وبنين بتقدير لام التعليل وهو متعلق بقوله سبحانه لا تطع أي لا تطع من هذه مثالبه لأن كان متمولا متقويا بالبنين
وقوله سبحانه إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين استئناف جار مجرى التعليل للنهي وجوز أن يكون لأن متعلقا بنحو كذب ويدل عليه الجملة الشرطية ويقدر مقدما دفعا لتوهم الحصر كأنه قيل كذب لأن كان الخ والمراد أنه بطر نعمة الله تعالى ولم يعرف حقها ولم يجوز تعلقه بقال المذكور بعد لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ولعل من يقول بإطراد التوسع في الظرف يجوز ذلك وكذا من يجعل إذا هنا ظرفية وقال أبو علي الفارسي يجوز تعلقه بعتل وإن كان قد وصف وتعقبه أبو حيان بأنه قول كوفي ولا يجوز ذلك عند البصريين وقيل متعلق بزنيم ويحسن ذلك إذا فسر بقبيح الأفعال وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر وأبو بكر وحمزة وابن عامر أأن كان على الإستفهام وحقق الهمزتين حمزة وسهل الثانية باقيهم على ما في البحر وقال بعض قرأ أبو بكر وحمزة بهمزتين وابن عامر بهمزة ومدة والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال أو أطيعه لأن كان الخ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه أن كان بالكسر على أن شرط الغني في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد بمعنى النهي في غير ذلك يعلم بالطريق الأولى فيثبت بدلالة النص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له أو على أن الشرط للمخاطب وحاصل المعنى لا تطع كل حلاف الخ شارطا يساره لأن إطاعة الكافر لغناه بمنزلة اشتراط غناه في الطاعة وفيه تنزيل المخاطب منزلة من شرط ذلك وحققه زيادة للإلهاب والثبات وتعريضا بمن يحسب الغنى مكرمة والظاهر أن الجملة الشرطية بعد استئناف وقيل هذا مما اجتمع فيه شرطان وليسا من الشروط المترتبة الوقوع فالمتأخر لفظا هو المتقدم والمتقدم لفظا هو شرط في الثاني فهو كقوله
فإن عثرت بعدها إن وألت ... نفسي من هاتا فقولا لالعا
وقرأ الحسن أئذا على الإستفهام وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله أساطير الأولين
سنسمه سنجعل له سمة وعلامة على الخرطوم أي على الأنف وهو من باب إطلاق مشفر على شفة غليظة لإنسان كما سنشير إليه