كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
كان أبوهم ينيلهم منها وهو حال مقدرة
فلما رأوها أول ما وقع نظرهم عليها
قالوا إنا لضالون طريق جنتنا وما هي بها قاله قتادة وقيل لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين وليس بذاك
بل نحن محرومون قالوه بعدما تأملوا ووقفوا على حقيقة الأمر مضربين عن قولهم الأول أي لسنا ضالين بل نحن محرومون حرمنا خيرها بجنايتنا على أنفسنا
قال أوسطهم أي أحسنهم وأرجحهم عقلا ورأيا أو أوسطهم سنا
ألم أقل لكم لولا تسبحون أي لولا تذكرون الله تعالى وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله تعالى وتوبوا إليه عن هذه النية الخبيثة من فوركم وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة فعصوه فعيرهم
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين لأن التسبيح ذكر لله تعالى وإنا كنا الخ ندامة واعتراف بالذنب فهو توبة والظاهر أنهم إنما تكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة ولكن بعد خراب البصرة وقيل المراد بالتسبيح الإستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله عز و جل لأن الإستثناء تفويض إليه سبحانه والتسبيح تنزيه له تعالى وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم فكأنه قيل ألم أقل لكم لولا تسثنون أي تقولون إن شاء الله تعالى وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي وابن المنذر عن ابن جريج وحكاه في البحر عن مجاهد وأبي صالح أنهما قالا كان استثناؤهم في ذلك الزمان التسبيح كما نقول نحن إن شاء الله تعالى وجعله بعض الحنفية استثناء اليوم فعنده لو قال لزوجته أنت طالق سبحان الله لا تطلق ونسب إلى الإمام ابن الهمام وادعى أنه قاله في فتاويه ووجه بأن المراد بسبحان الله فيما ذكر أنزه الله عز و جل من أن يخلق البغيض إليه وهو الطلاق فإنه قد ورد أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق وأنكر بعض المتأخرين نسبته إلى ذلك الإمام المتقدم ونفي أن يكون له فتاوي واعترض التوجيه المذكور بما اعترض وهو لعمري أدنى من أن يعترض عليه وأنا أقول أولى منه قول النحاس في توجيه جعل التسبيح موضع الإستثناء أن المعنى تنزيه الله تعالى أن يكون شيء إلا بمشيئته وقد يقال لعل من قال ذلك بنى الأمر على صحة ما روي وإن شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم علينا من غير نكير وهذا على علاته أحسن مما قيل في توجيهه كما لا يخفى وقيل المعنى لولا تستغفرون ووجه التجوز يعلم مما تقدم
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون يلوم بعضهم بعضا فإن منهم على ما قيل من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضيا به ومنهم من أنكره ولا يأبى ذلك إسناد الأفعال فيما سبق إلى جميعهم لما علم في غير موضع
قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين متجاوزين حدود الله تعالى
عسى ربنا أن يبدلنا أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والإعتراف بالخطيئة
خيرا منها أي من تلك الجنة
إنا إلى ربنا لا إلى غيره سبحانه راغبون راجون العفو طالبون الخير وإلى لانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع وعن مجاهد أنهم تابوا فأبدلوا خيرا منها وروي أنهم تعاقدوا وقالوا إن أبدلنا الله تعالى خير منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا الله عز و جل وتضرعوا إليه سبحانه فأبدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها وقال ابن مسعود بلغني أن القوم دعوا الله تعالى وأخلصوا وعلم الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل على البغل منها عنقود وقال أبو خالد اليماني رأيت تلك الجنة وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم واستظهر أبو حيان أنهم كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا وحكى عن بعض أنهم كانوا من أهل الكتاب وعن التستري أن المعظم يقولون أنهم تابوا وأخلصوا وتوقف الحسن في إيمانهم فقال لا أدري أكان قولهم إنا إلى ربنا راغبون إيمانا أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة وسئل قتادة عنهم أهم من