كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

أهل الجنة أم من أهل النار فقال للسائل لقد كلفتني تعبا وقرأ نافع وأبو عمرو يبدلنا مشددا
كذلك العذاب جملة من مبتدأ وخبر مقدم لإفادة القصر وأل للعهد أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة من الجدب الشديد وأصحاب الجنة مما قص عذاب الدنيا والكلام قيل وارد تحذيرا لهم كأنه لما نهاه سبحانه عن طاعة الكفار وخاصة رؤسائهم ذكر عز و جل أن تمردهم لما أتوه من المال والبنين وعقب جل وعلا بأنهما إذا لم يشكرا المنعم عليهما يؤل حال صاحبهما إلى حال أصحاب الجنة مدمجا فيه إن خبثت النية والزوي عن المساكين إذا أفضى بهم إلى ما ذكر فمعاندة الحق تعالى بعناد من هو على خلقه وأشرف الموجودات وقطع رحمه أولى بأن يفضي بأهل مكة إلى البوار
وقوله تعالى ولعذاب الآخرة أكبر أي أعظم وأشد تحذير عن العناد بوجه أبلغ
وقوله سبحانه لو كانوا يعلمون نعي عليهم بالغفلة أي لو كانوا من أهل العلم لعلموا أنه أكبر ولأخذوا منه حذرهم
إن للمتقين أي من الكفر كما في البحر أو منه ومن المعاصي كما في الإرشاد
عند ربهم أي في الآخرة فإنها مختصة به عز و جل إذ لا يتصرف فيها غيره جل جلاله أو في جوار قدسه
جنات النعيم جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال وأخذ الحصر من الإضافة إلى النعيم لإفادتها التمييز من جنات الدنيا والتعريض بأن جنات الدنيا لغالب عليها النغص
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذار والأكدار
وقوله تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين تقرير لما قبله من فوز المتقين ورد لما يقوله الكفرة عند سماعهم بحديث الآخرة وما وعد الله تعالى إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلون وأقصى أمرهم أن يساوونا والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقال أي فيحيف في الحكم الحكم فيجعل المسلمين كالكافرين ثم قيل لهم بطريق الإلتفات لتأكيد الرد وتشديده
ما لكم كيف تحكمون تعجبا من حكمهم واستبعادا له وإيذانا بأنه لا يصدر من عاقل إذ معنى ما لكم أي شيء حصل لكم من خلل الفكر وفساد الرأي
أم لكم كتاب نازل من السماء
فيه أي في الكتاب والجار متعلق بقوله تعالى تدرسون أي تقرؤن فيه والجملة صفة كتاب وجوز أن يكون فيه متعلقا بمتعلق الخبر أو هو الصفة والضمير للحكم أو الأمر وتدرسون مستأنف أو حال من ضمير الخطاب
وقوله تعالى إن لكم فيه لما تخيرون أي للذي تختارونه وتشتهونه يقال تخير الشيء واختاره أخذ خيره وشاع في أخذ ما يريده مطلقا مفعول تدرسون إذ هو المدروس فهو واقع موقع المفرد وأصله أن لكم فيه ما تخيرون بفتح همزة أن وترك اللام في خبرها فلما جيء باللام كسرت الهمزة وعلق الفعل عن العمل ومن هنا قيل أنه لا بد من تضمين تدرسون معنى العلم ليجري فيه العمل في الجمل والتعليق وجوز أن يكون هذا حكاية للمدروس كما هو عليه فيكون بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر وضمير فيه على الأول للكتاب وأعيد للتأكيد وعلى هذا يعود لأمرهم أو للحكم فيكون محصل ما خط في الكتاب أن الحكم أو الأمر مفوض لهم فسقط قول صاحب التقريب أن لفظ فيه لا يساعده للإستغناء بفيه أو لا من غير حاجة إلى جعل ضمير فيه ليوم القيامة بقرينة المقام أو للمكان المدلول عليه بقوله تعالى عند ربهم وعلى الإستئناف هو للحكم أيضا وجوز الوقف على تدرسون على أن قوله تعالى أن لكم الخ استئناف على معنى أن كان لكم كتاب فلكم فيه ما تتخيرون وهو كما ترى والظاهر أن أم لكم الخ مقابل لما قبله نظرا لحاصل المعنى إذ محصله أفسد عقلكم حتى حكمتكم بهذا أم جاءكم كتاب

الصفحة 33