كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
فيه تخييركم وتفويض الأمر إليكم وقرأ طلحة والضحاك أن لكم بفتح الهمزة واللام في لما زائدة كقراءة من قرأ ألا أنهم ليأكلون الطعام بفتح همزة أنهم وقرأ الأعرج آن لكم بالإستفهام على الإستئناف
أم لكم أيمان علينا أي أقسام وفسرت بالعهود وإطلاق الإيمان عليها من إطلاق الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم
بالغة أي أقصى ما يمكن والمراد متناهية في التوكيد وقرأ الحسن وزيد بن علي بالغة بالنصب على الحال من الضمير المستتر في علينا أو لكم وقال ابن عطية من إيمان لتخصيصها بالوصف وفيه بعد
إلى يوم القيامة متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون أو متعلق ببالغة أي إيمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم يبطل منها يمين فإلى على الأول لغاية الثبوت المقدر في الظرف فهو كأجل الدين وعلى الثاني لغاية البلوغ فهي قيد اليمين أي يمينا مؤكدا لا ينحل إلى ذلك اليوم وليس من تأجيل المقسم عليه في شيء إذ لا مدخل لبالغة في المقسم عليه فتأمل
وقوله تعالى إن لكم لما تحكمون جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أقسمنا لكم وهو جار على تفسير الإيمان بمعنى العهود لأن العهد كاليمين من غير فرق فيجاب بما يجاب به القسم وقرأ الأعرج آن لكم بالإستفهام أيضا
سلهم تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب أي سلهم مبكتا لهم
أيهم بذلك الحكم الخارجي عن دائرة العقول
زعيم قائم يتصدى لتصحيحه والجملة الإستفهامية في موضع المعمول الثاني لسل والفعل عند أبي حيان وجماعة معلق عنها لمكان الإستفهام وكون السؤال منزلا منزلة العلم لكونه سببا لحصوله
أم لهم شركاء يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم
فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين في دعواهم إذ لا أقل من التقليد وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتعلقوا به في تحقيق دعواهم حيث نبه جل شأنه على نفي الدليل العقلي بقوله تعالى ما لكم كيف تحكمون وعلى نفي الدليل النقلي بقوله سبحانه أم لكم كتاب الخ وعلى نفي أن يكون الله تعالى وعدهم بذلك ووعد الكريم دين بقوله سبحانه أم لكم إيمان علينا الخ وعلى نفي التقليد الذي هو أوهن من حبال القمر بقوله عز و جل أم لهم شركاء وقيل المعنى أم لهم آلهة عدوها شركاء في الألوهية تجعلهم كالمسلمين في الآخرة وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة فليأتوا بشركهم والمراد به ما أريد بشركائهم
يوم يكشف عن ساق متعلق بقوله تعالى فليأتوا على الوجهين ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو يكون كيت وكيت وقيل بخاشعة وقيل بترهقهم وأيا ما كان فالمراد بذلك اليوم عند الجمهور يوم القيامة والساق ما فوق القدم وكشفها والتشمير عنها مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب حتى أنه يستعمل بحيث لا يتصور ساق بوجه كما في قول حاتم
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقول الراجز
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طواء الخيل عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها ... حمراء تبري اللحم عن عراقها
وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب فإنهن لا يفعلن ذلك إلا إذا عظم الخطب واشتد الأمر فيذهلن عن الستر بذيل الصيانة وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وعكرمة وجماعة وقد روي أيضا عن ابن عباس أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عنه أنه سئل عن ذلك فقال إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في