كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال ما خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له وقرأ ابن كثير لأمانتهم بالإفراد على إرادة الجنس
والذين هم بشهاداتهم قائمون مقيمون لها بالعدل غير منكرين لها أو بشيء منها لا مخفين أحياء لحقوق الناس فيما يتعلق بها وتعظيما لأمر الله عز و جل فيما يتعلق بحقوقه سبحانه وخص بعضهم الشهادة بما يتعلق بحقوق العباد وذكر أنها مندرجة في الأمانات إلا أنها خصت بالذكر لأبانة فضلها وجمعها لاختلاف الأنواع ولو لم يعتبر ذلك أفرد على ما قيل لأنها مصدر شامل للقليل والكثر وقرأ الجمهور بالإفراد على ما سمعت آنفا
والذين هم على صلاتهم يحافظون أي يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها باستعارة الحفظ من الضياع للإتمام والتكميل وهذا غير الدوام فإنه يرجع إلى أنفس الصلوات وهذا يرجع إلى أحوالها فلا يتكرر مع ما سبق من قوله تعالى الذين هم على صلاتهم دائمون وكأنه لما كان ما يراعي في إتمام الصلاة وتكميلها مما يتفاوت بحسب الأوقات جيء بالمضارع الدال على التجدد كذا قيل وقيل أن الإتيان به مع تقديم هم لمزيد الإعتناء بهذا الحكم لما أن أمر التقوى في مثل ذلك أقوى منه في مثل هم محافظون واعتبر هذا دون ما في الصدر لأن المراعاة المذكورة كثيرا ما يغفل عنها وفي افتتاح الأوصاف بما يتعلق بالصلاة واختتامها به دلالة على شرفها وعلو قدرها لأنها معراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين ولذا جعلت قرة عين سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وتكرير الموصولات لتنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات إيذانا بأن كل واحد من الأوصاف المذكورة نعت جليل على حياله له شأن خطير مستتبع لأحكام جمه حقيق يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شيء منها تتمة للآخر
أولئك إشارة إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وما فيه من معنى البعد لبعد المشار إليهم أما في الفضل أو في الذكر باعتبار مبدأ الأوصاف المذكورة وهو مبتدأ خبره
في جنات أي مستقرون في جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها
وقوله تعالى مكرمون خبر آخر أو هو الخبر وفي جنات متعلق به قدم عليه للإهتمام مع مراعاة الفواصل أو بمضمر هو حال من الضمير في الخبر أي مكرمون كائنين في جنات
فمال الذين كفروا قبلك أي في الجهة التي تليك
مهطعين مسرعين نحوك مادي أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك ليظفروا بما يجعلونه هزؤا
عن اليمين وعن الشمال عزين جماعات في تفرقة كما قال أبو عبيدة وأنشدوا قول عبيد بن الأبرص
فجاؤا يهرعون إليه حتى ... يكونوا حول منبره عزينا
وخص بعضهم كل جماعة بنحو ثلاثة أشخاص أو أربعة جمع عزة وأصلها عزوة من العز ولان كل فرقة تعتزي وتنتسب إلى غير من تعتزي إليه الأخرى فلامها واو وقيل لامها هاء والأصل عزهة وجمعت بالواو والنون كما جمعت سنة وأخواتها وتكسر العين في الجمع وتضم وقالوا عزي على فعل ولم يقولوا عزات ونصب عزين على أنه حال من الذين كفروا أو من الضمير في مهطعين على التداخل وعن اليمين إما متعلق به لأنه بمعنى متفرقين أو بمهطعين أي مسرعين عن الجهتين أو هو حال أي كائنين عن اليمين روي أنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن فكان المشركون يجتمعون حوله حلقا حلقا وفرقا يستمعون ويستهزؤن بكلامه عليه الصلاة و السلام ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فلندخلها قبلهم فنزلت وفي بعض الآثار ما يشعر بأن الأولى أن

الصفحة 64