كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
لا يجلس المؤمنون عزين لأنه من عادة الجاهلية
أيطمع كل امريء منهم أن يدخل جنة نعيم أي بلا إيمان وهوإنكار لقولهم إن دخل هؤلاء الجنة وقرأ ابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن علين وطلحة والمفضل عن عاصم يدخل بالبناء للفاعل
كلا ردع لهم عن ذلك الطمع الفارغ
إنا خلقناهم مما يعملون قيل هو تعليل للردع ومن أجلية والمعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعملون وهو تكميل النفس بالإيمان والطاعة فمن لم يستكملها بذلك فهو بمعزل من أن يتبوأ متبوأ الكاملين فمن أين لهم أن يطمعوا في دخول الجنة وهم مكبون على الكفر والفسوق وإنكار البعث وكون ذلك معلوما لهم باعتبار سماعهم إياه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل من ابتدائية والمعنى أنهم مخلوقون من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس فمتى لم تستكمل بالإيمان والطاعة ولم تتخلق بأخلاق الملائكة عليهم السلام لم تستعد لدخولها وكلا القولين كما ترى وقال مفتي الديار الرومية أن الأقرب كونه كلاما مستأنفا قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته عز و جل على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء واستهزائهم برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبما نزل عليه عليه الصلاة و السلام من الوحي وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية وينشيء بدلهم قوما آخرين فإن قدرته سبحانه على ما يعلمون من النشأة الأولى حجة بينة على قدرته عز و جل على ذلك كما يفصح عنه الفاء الفصيحة في قوله تعالى
فلا أقسم برب المشارق والمغارب أي إذا كان الأمر كما ذكرنا من أن خلقهم مما يعلمون وهو النطفة القذرة فلا أقسم برب المشارق والمغارب
إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم أي نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم ونأتي بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتهم
وما نحن بمسبوقين أي بمغلوبين إن أردنا ذلك لكن مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة اقتضت تأخير عقوباتهم وفيه نوع بعد ولعل الأقرب كونه في معنى التعليل لكن على وجه قرر به صاحب الكشف كلام الكشاف فقال أراد أنه ردع عن الطمع معلل بإنكارهم البعث من حيث أن ذكر دليله إنما يكون مع المنكر فأقيم علة مقام العلة مبالغة لما حكي عنهم طمع دخول الجنة ومن البديهي أنه ينافي حال من لا يثبتها فكأنه قيل أنه ينكر البعث فأنى يتجه طمعه واحتج عليهم بخلقهم أولا وبقدرته سبحانه على خلق مثلهم ثانيا وفيه تهكم بهم وتنبيه على مكان مناقضتهم فإن الإستهزاء بالساعة والطمع في دخول الجنة مما يتنافيان ووجه أقربيته قوة الإرتباط بما سبق عليه وهو في الحقيقة أبعد مغزى ومنه يعلم أن ما قيل في قوله سبحانه إنا لقادرون على أن نبدل الخ أن معناه لقادرون على أن نعطي محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم من هو خيرمنهم وهم الأنصار ليس بذاك وفي التعبير عن مادة خلقهم بما يعملون مما يكسر سورة المتكبرين ما لا يخفى والمراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس المائة والثمانون ومغاربها كذلك أو مشارق ومغارب الشمس والقمر على ما روي عن عكرمة أو مشارق الكواكب ومغاربها مطلقا كما قيل وذهب بعضهم إلى أن المراد رب المخلوقات بأسرها والكلام في فلا أقسم قد تقدم وقرأ قوم فلا أقسم بلاء دون ألف وعبد الله بن مسلم وابن محيصن والجحدري المشرق والمغرب مفردين
فذرهم فخلهم غير مكترث بهم
يخوضوا في باطلهم الذي من جملته ما حكي عنهم
ويلعبوا في دنياهم
حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون هو يوم البعث عند النفخة الثانية لقوله سبحانه
يوم يخرجون من الأجداث أي القبور فإنه يدل على يومهم وهو مفعول به ليلاقوا وتفسيره بيوم موتهم أو يوم بدر أو يوم النفخة الأولى وجعل يوم مفعولا به لمحذوف كذكر أو متعلقا بترهقهم ذلة مما لا ينبغي أن يذهب إليه وما في الآية من معنى المهادنة منسوخ بآية السيف وقرأ أبو جعفر وابن محيصن يلقوا مضارع