كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
هذه لغة أهل الحجاز وهذيل وخزاعة ومضر ويقولون لم أرج أي لم أبال وأظهر المعاني ما ذكرناه أولا ولما ذكر من آيات الأنفس ما ذكر أتبعه بشيء من آيات الآفاق ولبعد أحد الأمرين عن الآخر رتبة لم يأت بالعطف بل قطع فقال
ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا أي متطابقة بعضها فوق بعض وتفسير التطابق بالتوافق في الحسن والإشتمال على الحكم وجودة الصنع ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت عدول عن الظاهر الذي تطابقت عليه الأخبار من غير داع إليه
وجعل القمر فيهن نورا منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل وجعله فيهن مع أنه في إحداهن وهي السماء الدنيا كما يقال زيد في بغداد وهو في بقعة منها والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية وكونها طباقا شفافة
وجعل الشمس سراجا يزيل ظلمةالليل ويبصر أهل الدنيا في ضوئها وجه الأرض ويشاهدون الآفاق كما يبصر أهل البيت في ضوا السراج ما يحتاجون إلى إبصاره وتنويه للتعظيم وفي الكلام تشبيه بليغ ولكون السراج أعرف وأقرب جعل مشبها به ولاعتبار التعدي إلى الغي في مفهومه بخلاف النور كان أبلغ منه ولعل في تشبيهها بالسراج القائم ضياءه لا بطريق الإنعكاس رمزا إلى أن ضياءها ليس منعكسا إليها من كوكب آخر كما أن نور القمر منعكس عليه من الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها وجزم أهل الهيئة القديمة بذلك وفي رواية لأظنها تصح أن ضياء الشمس مفاض عليها من العرش وأظن أن من يقول أنها تدور على كوكب آخر من أهل الهيئة الجديدة يقول باستفادتها النور من غيرها ثم الظاهر أن المراد وجعل الشمس فيهن فقيل هي في السماء الدنيا في فلك في ثخنها وقيل في السماء الرابعة وهو المشهور عند متقدمي أهل الهيئة واستدلوا عليه بما هو مذكور في كتبهم وفي البحر حكاية قول أنها في الخامسة ولا يكاد يصح ومما يضحك الصبيان فضلا عن فحول ذوي العرفان ما حكى فيه أيضا أنها في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة وذهب متأخروا أهل الهيئة إلى أنها مركز للسيارات وعدوا الأرض منها ولم يعدوا القمر لدورانه على الأرض وهو بينها وبين الشمس عندهم وسنعمل إن شاء الله تعالى رسالة في تحقيق الحق والحق عند ذويه أظهر من الشمس
والله أنبتكم من الأرض نباتا أي أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من الأرض لكونه محسوسا وقد تكرر إحساسه وهم وإن لم ينكروا الحدوث جعلوا بإنكار البعث كمن أنكره ففي الكلام استعارة مصرحة تبعية ومن ابتدائية داخلة على المبدأ البعيد ونباتا قال أبو حيان وجماعة مصدر مؤكد لأنبتكم بحذف الزوائد والأصل إنباتا أو نصب بإضمار فعل أي فنبتم نباتا وفي الكشف أن الإنبات والنبات من الفعل والإنفعال وهما واحد في الحقيقة والإختلاف بالنسبة إلى القيام بالفاعل والقابل فلا حاجة إلى تضمين فعل آخر ولا تقديره ثم إن الإنبات إن حمل على معناه الوضعي فلا احتياج إلى التقدير إذ هو في نفسه متضمن للنبات كما أشرنا إليه فيكون نباتا نصبا بأنبتكم لهذا التضمن وإن حمل على المتعارف من إطلاقه على مقدمة الإنبات من إخفاء الحب في الأرض مثلا فالوجه الحمل على أن المراد أنبتكم فنبتم نباتا ليكون فيه إشعار بنحو النكتة التي جرت في قوله تعالى فانبجست من الدلالة على القدرة وسرعة نفاذ حكمها وجوز أن يكون الأصل انبتكم من الأرض إنباتا فنبتم نباتا فحذف من الجملة الأولى المصدر ومن الثانية الفعل اكتفاء بما ذكر في الأخرى على أنه من الإحتباك وقال القاضي اختصر اكتفاء بالدلالة الإلتزامية وفيه على ما قال الخفاجي الأشعار المذكورة فتأمل
ثم يعيدكم فيها أي في الأرض بالدفن عند موتكم