كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

نحو نخبركم فيما لا يظهر دخوله في ذلك أو تأويل آمنا من أول الأمر بما ينسحب على الجميع
وأنا كنا نقعد قبل هذا منها أي من السماء
مقاعد للسمع أي مقاعد كائنة للسمع خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والإستماع وللسمع متعلق بنقعد أي لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد وكيفية قعودهم على ما قيل ركوب بعضهم فوق بعض وروي في ذلك خبر مرفوع لا مانع من أن يكون بعروج من شاء منهم بنفسه إلى حيث يسمع منه الكلام
فمن يستمع الآن قال في شرح التسهيل الآن معناه هنا القرب مجازا فيصح مع الماضي والمستقبل وفي البحر أنه ظرف زمان للحال ويستمع مستقبل فاستمع في الظرف واستعمل للإستقبال كما قال
سأسعى الآن إذ بلغت أناها
فالمعنى فمن يقع منه استماع في الزمان الآتي
يجد له شهابا رصدا أي يجد شهابا راصدا له ولأجله يصده عن الإستماع بالرجم فرصد صفة شهابا فإن كان مفردا فالأمر ظاهر وإن كان اسم جمع للراصد كحرس فوصف المفرد به لأن الشهاب لشدة منعه وإحراقه جعل كأنه شهب ونظير ذلك وصف المعا وهو واحد الإمهاء بجياع في قول القتامي
كأن قيود رجلي حين ضمت ... حوالب غرزوا معا جياعا
وجوز كونه مفعولا له أي لأجل الرصد وقيل أن يكون اسم جمع صفة لما قبله بتقدير ذوي شهاب فكأنه قيل يجد له ذوي شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة عليهم السلام الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الإستماع وفيه بعد وفي الآية رد على من زعم أن الرجم حدث بعد مبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو إحدى آياته عليه الصلاة و السلام حيث قيل فيها ملئت وهو كما قال الجاحظ ظاهر في أن الحادث هو الملء والكثرة وكذا قوله سبحانه نقعد منها مقاعد على ما في الكشاف فكأنه قيل كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب والآن ملئت المقاعد كلها فمن يستمع الخ ويدل على وجود الشهب قبل ذكرها في شعر الجاهلية قال بشر بن أبي خازم
والعير يرهقها الغبار وجحشها ... ينقض خلفها انقضاض الكوكب
وقال أوس بن حجر
وانقض كالدري يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا
وقال عوف بن الرع يصف فرسا
يرد علينا العير من دون إلفه ... أو الثور كالدري يتبعه الدم
فإن هؤلاء الشعراء كلهم كما قال التبريزي جاهلون ليس فيهم مخضرم وما رواه الزهري عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما عن ابن عباس بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية قالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم وروي عن معمر قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أرأيت قوله تعالى وإنا كنا نقعد فقال غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكأنه أخذ ذلك من الآية أيضا وقال بعضهم إن الرمي لم يكن أولا ثم حدث للمنع عن بعض السماوات ثم كثر ومنع الشياطين عن جميعها يوم تنبأ النبي عليه الصلاة و السلام وجوز أن تكون الشهب من قبل لحوادث كونية لا لمنع الشياطين أصلا والحادث بعد البعثة رمي الشياطين بها على معنى أنهم إذا عرجوا للإستماع رموا بها فلا يلزم أيضا أن يكون كل ما يحدث من الشهب اليوم للرمي بل يجوز أن يكون الأمور أخر بأسباب يعلمها الله تعالى ويجاب بهذا عن حدوث الشهب في شهر رمضان مع ما جاء من أنه تصفد مردة الشياطين فيه ولمن يقول أن الشهب لا تكون إلا للرمي جواب آخر مذكور

الصفحة 87