كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)

كما في البحر ابن هرمز وطلحة وإن المساجد بكسر همزة إن وحمل ذلك على الإستئناف وأنه بفتح الهمزة عند الجمهور على أنه عطف على أنه استمع كالذي قبله فهو من كلامه تعالى أي وأوحى إلى أن الشأن لما قام عبد الله أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقوله تعالى يدعوه حال من عبد أي لما قام عابدا له عز و جل وذلك قيامه عليه الصلاة و السلام لصلاة الفجر بنخلة كما مر كادوا أي الجن كما قال ابن عباس والضحاك يكونون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما شاهدوا من عبادته وسمعوا من قراءته واقتداء أصحابه به قياما وركوعا وسجودا لأنهم رأوا ما لم يروا مثله وسمعوا ما لم يسمعوا نظيره وهذا كالظاهر في أنهم كانوا كثيرين لا تسعة ونحوها وإيراده عليه الصلاة و السلام بلفظ العبد دون لفظ النبي أو الرسول أو الضمير أما لأنه مقول على لسانه صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه أمر يقول أوحي كذا فجيء به على ما يقتضيه مقام العبودية والتواضع أو لأنه تعالى عدل عن ذلك تنبيها على أن العبادة من العبد لا تستبعد ونقل عليه الصلاة و السلام كلامه سبحانه كما هو رفعا لنفسه عن البين فلا وجود للأثر بعد العين وحيث كان هذا العدول منه جل وعلا إما لكذا أو لكذا إلا أنه تصرف من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يمتنع كما قال بعض الأجلة الجمع بين الحسنيين وقال الحسن وقتادة ضمير كادوا لكفار قريش والعرب فيراد بالقيام القيام بالرسالة وبالتلبد للعداوة والمعنى أنه لما قام عبد الله بالرسالة يدعو الله تعالى وحده ويذر ما كانوا يدعون من دونه كادوا لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه متراكمون وجوز أن يكون الضمير على هذا للجن والإنس وعن قتادة أيضا ما يقتضيه قال تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفؤه فأبى الله تعالى إلا أن ينصره على من ناوأه وفي البحر أبعد من قال عبد الله هنا نوح عليه السلام كاد قومه يقتلونه حتى ايتنقذه الله تعالى منهم قاله الحسن وأبعد منه قول من قال أنه عبد الله بن سلام أه ولعمري أنه لا ينبغي القول بذلك ولا أظن له صحة بوجه من الوجوه وقرأ نافع وأبو بكر كما قدمنا وابن هرمز وطلحة كما في البحر وأنه بكسر الهمزة وحمل على أن الجملة استئنافية من كلامه عز و جل وجوز أن تكون من كلام الجن معطوفة على جملة إنا سمعنا حكموا فيها لقومهم لما رجعوا إليهم ما رأوا من صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه في ائتمامهم به وحكى به ذلك عن ابن جبير وجوز نحو هذا على قراءة الفتح بناء على ما سمعت عن أبي حاتم أو بتقدير ونخبركم بأنه أو نحوه هذا وفي الكشف الوجه على تقدير أن يكون وإن المساجد من جملة الموحى أن يكون فلا تدعوا خطابا للجن محكيا أن جعل قوله تعالى وإنه لما قام على قراءة الكسر من مقول الجن لئلا ينفك النظم لو جعل ابتداء قصة ووحيا آخر منقطعا عن حكاية الجن وكذلك لو جعل ضمير كادوا للجن على قراءة الفتح أيضا والأصل أن المساجد لله فلا تدعوا أيها الجن مع الله أحدا فقيل يا محمد لمشركي مكة أوحي إلي كذا وإذا كان كذلك فيجيء في ضمن الحكاية إثبات هذا الحكم بالنسبة إلى المخاطبين أيضا لاتحاد العلة وأما لو جعل خطابا عاما فالوجه أن يكون ضمير كادوا راجعا إلى المشركين أو إلى الجن والإنس وأن يكون على قراءة الكسر جملة استئنافية ابتداء قصة منه جل شأنه في الأخبار عن حال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو تمهيد لما يأتي من بعد وتوكيد لما ذكر من قبل فكأنه قيل قل لمشركي مكة ما كان من حديث الجن وإيمان بعضهم وكفر آخرين منهم ليكون حكاية ذلك لطفا لهم في الإنتهاء عما كانوا فيه وحثا على الإيمان ثم قيل وأنه لما قام عبد الله يدعوه ويوحده كاد الفريقان من كفرة الجن والإنس يكونون عليه لبدا دلالة على عدم ارتداعهم مع هذه الدلائل الباهرة والآيات النيرة وما أحسن التقابل بين قوله تعالى وإن المساجد وبين هذا القول كأنهم نهوا كلهم عن الإشراك ودعوا إلى التوحيد فقابلوا ذلك بعداوة من يوحد الله

الصفحة 92