كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
سبحانه ويدعوه ولم يرضوا بالإباء وحده وهذا من خواص الكتاب الكريم وبديع أسلوبه إذا أخذ في قصة غب قصة جعلهما متناصفتين فيما سيق له الكلام وزاد عليه التآخي بينهما في تناسب خاتمة الأولى وفاتحة الثانية ولعل هذا الوجه من الوجاهة بمكان وأما لو فسر بما حكى عن الخليل ولأن المساجد لله فلا تدعوا الخ فالوجه أن يكون استطرادا ذكر عقيب وعيد المعرض والحمل والآيتان 21 و 22 على هذا على الأعضاء السبعة أظهر لأن فيه تذكيرا لكونه تعالى المنع بها عليهم وتنبيها على أن الحكمة في خلقها خمدمة المعبود من حيث العدول على لفظ الأعضاء وأسمائها الخاصة إلى المساجد ودلالة على أن ذلك ينافي الإشراك وحينئذ لا يبقى إشكال في ارتباط ما بعده بما قبله على القراءتين والأوجه والله تعالى أعلم أه فتأمل
واللبد بكسر اللام وفتح الباء كما قرأ الجمهور جمع لبدة بالكسر نحو كسرة وكسر وهي الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض ويقال للجراد ومنه كما قال الجبائي قول عبد مناف بن ربع الهذلي صافوا بستة أبيات وأربعة
حتى كأن عليهم جابيا لبدا وقرأ مجاهد وابن محيصن وابن عامر بخلاف عنه لبدا بضم اللام جمع لبدة كزبرة وزبر وعن ابن محيصن أيضا تسكين الباء وضم اللام وقرأ الحسن والجحدري وأبو حيوة وجماعة عن أبي عمرو بضمتين جمع لبد كرهن ورهن أو جمع لبود كصبور وصبر وقرأ الحسن والجحدري أيضا بخلاف عنهما لبدا بضم اللام وتشديد الباء جمع لا بد وأبو رجاء بكسرها وشد الباء المفتوحة قل إنما ادعوا اعبد ربي ولا أشرك به في العبادة أحدا فليس ذلك ببدع ولا مستنكر يوجب التعجب أو الإطباق على عداوتي وقرأ الأكثرون قال على أنه حكاية منه تعالى لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم للمتراكمين عليه أو حكاية من الجن له عند رجوعهم إلى قومهم فلا تغفل وقراءة الأمر وهي قراءة عاصم وحمزة وأبي عمرو بخلاف عنه وأوفق لقوله سبحانه قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشاد أي ولا نفعا تعبير أباسم السبب عن المسبب والمعنى لا أستطيع أن أضركم ولا أنفعكم إنما الضار والنافع هو الله عز و جل أو لا أملك لكم غيا ولا رشدا على أن الضر مراد به الغي تعبير باسم السبب عن السبب ويدل عليه قراءة أبي غيا بدل ضرا والمعنى لا استطيع ان أقسركم على الغي والرشد إنما القادر على ذلك هو الله سبحانه وتعالى وجوز أن يكون في الآية الإحتباك والأصل لا أملك لكم ضرا ولا نفعا ولا غيا ولا رشدا فترك من كلا المتقابلين ما ذكر في الآخر وقرأ الأعرج رشدا بضمتين قل إني لن يجيرني من الله أحد إن أرادني سبحانه بسوء ولن أجدا من دونه ملتحدا أي معدلا ومنحرفا وقال الكلبي مدخلا في الأرض وقال السدي حرزا وأصله المدخل من اللحد والمراد ملجأ يركن إليه وأنشدوا يا لهف نفسي ونفسي عبر مجدية
عني وما من قضاء الله ملتحد وجوز فيه الراغب كونه اسم مكان وكونه مصدرا وهذا على ما قيل بيان لعجزه عليه الصلاة و السلام عن شؤن نفسه بعد بيان عجزه صلى الله تعالى عليه وسلم عن شؤن غيره وقيل في الكلام حذف وهو قالوا اترك ما تدعون إليه ونحن نجيرك فقيل له قل إني لن يجيرني الخ وقيل هو جواب لقول ورد إن سيد الجن وقد ازدحموا عليه أنا أرحلهم عنك فقال إني لن يجيرني الخ ذكره الماوردي والقولان ليسا بشيء وقوله تعالى إلا بلاغا من الله استثناء من مفعول لا أملك كما يشير إليه كلام قتادة وما بينهمااعتراض مؤكد لنفي الإستطاعة فلا اعتراض بكثرة الفصل المبعدة لذللك فإن كان المعنى لا أملك إن أضركم ولا أنفعكم استثناء متصلا كأنه قيل لا أملك شيئا إلا بلاغا وإن كان المعنى لا أملك أن أقسركم على الغي والرشد كان منقطعا أو من باب
لا عيب فيهم