كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
على تخليد العصاة في النار وجوز أن يراد بالرسول رسول الملائكة عليهم السلام دون البشر فالمراد رسول البشر بعصيانه أن لا يبلغ المرسل إليه ما وصل إليه كما وصل وهو خلاف الظاهر فإن له نار جهنم خالدين فيها أي في النار أو في جهنم وجمع خالدين باعتبار معنى منكما أن الإفراد قبل باعتبار لفظها ولو روعي هنا لقيل خالدا ابدا بلا نهاية وقرأ طلحة فإن بفتح الهمزة على أن التقدير كما قال ابن الأنباري وغيره فجزاءه أن له الخ وقد نص النحاة على أن أن بعد فاء الشرط يجوز فيها الفتح والكسر فقول ابن مجاهد ما قرأ به أحد وهو لحن لأنه بعد فاء الشرط ناشيء من قلة تتبعه وضعفه في النحو وقوله تعالى حتى إذا رأوا ما يدعون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا جملة شرطية مقرونة بحتى الإبتدائية وهي وإن لم تكن جارة فيها معنى الغاية فمدخولها غاية لمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار لأنصاره عليه الصلاة و السلام واستقلالهم لعدده كأنه قيل لا يزالون يستضعفون ويستهزؤن حتى غذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب في الآخرة تبين لهم أن المستضعف منه و ويدل على ذلك أيضا جواب الشرط وكذا ما قيل لأن قوله سبحانه قل إنما أدعو ربي تعريض بالمشركين كيفما قدر بل السورة الكريمة من مفتتحها مسوقة للتعريض بحال مشركي مكة وتسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتسرية عنه عليه الصلاة و السلام وتعبير لهم بقصور نظرهم عن الجن مع ادعائهم الفطانة وقلة انصافهم ومبادهتهم بالتكذيب والإستهزاء بدل مبادهة الجن بالتصديق والإستهزاء ويجوز جعل ذلك غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا إن فسر بالتلبد على العداوة ولا مانع من تخلل أمور غير أجنبية بين الغاية والمغيا فقول أبي حيان أنه بعيد جدا لطول الفصل بينهما بالجمل الكثيرة ليسب شيء كجعله إياه غاية لما تضمنته الجملة قبل يعني فإن له نار جهنم من الحكم بكينونة النار له ومثل ذلك ما قيل من أنه غاية لمحذوف والتقدير دعهم حتى إذا رأوا الخ والظاهر أن من استفهامية كما أشرنا إليه وهي مبتدأ وأضعف خبر والجملة في موضع نصب بما قبلها وقد علق عن العمل لمكان الإستفهام وجوز كونها موصولة في موضع نصبب يعلمون وأضعف خبر مبتدأ محذوفوالجملة صلة لمن والتقدير فسيعرفون الذي هو أضعف وحسن حذف صدر الصلة طولها بالتمييز وجوز تفسير ما يدعون بيوم بدر ورجح الأول بأن الظاهر أن قوله سبحانه قل إن أدري أي ما أدري أقريب ما تدعون أم يجعل له ربي أمددا رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك ومقتضى حالهم أنهمقالوا إنكارا واستهزاء متى ذلك الموعود بل رويعن مقاتل أن النضر بن الحرث قال ذلك فقيل قل إنه كائن لا محالة وأما وقته فما أدري متى يكون والأحرى بسؤالهم وهذا الجواب إرادة ما في يوم القيامة المنكرين له أشد الإنكار والخفي وقته عن الخلائق غاية الخفاء والمراد بالأمد الزمان البعيد بقرينة المقابلة بالقريب وإلا فهو وضعا شامل ولذا وصف ببعيدا في قوله تعالى تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وقيل إن معنى القرب بنبيء عن مشارقة النهاية فكأنه قيل لا أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم هو مؤجل ضرب له غاية والأول أولى وأقرب عالم الغيب بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه عالم الغيب وجوز أبو حيان كونه بدلا من ربي وغيره أيضا كونه بيانا له ويأبى الوجهين الفاء في قوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا إذ يكون النظم حينئذ أم يجعل له عالم الغيب أمد أفلا يظهر على غيبه أحد أو فيه من الإخلال مالا يخفى وإضافة عالم إلى الغيب محصنة لقصد الثبات فيه فيفد تعريف الطرفين التخصيص وتعريف الغيب للإستغراق وفي الرضي أن اسم الجنس أعني الذي يقع على القليل والكثير بلفظ الواحد إذا استعمل ولم تقم قرينة تخصصه ببعض ما يصدق عليه فهو في الظاهر لاستغراق الجنس