كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 29)
أخذا من استقراء كلامهم فمعنى التراب يابس والماء بارد كل ما فيه هاتان الماهيتان حاله كذا فلو قلت في قولهم النوم ينقض الطهارة النوم مع الجلوس لا ينقضها لكان مناقضا لذلك اللفظ انتهى وهو يؤيد إرادة ذلك هنا لأن الغيب كالماء يقع على القليل والكثير بلفظ واحد ولا يضر في ذلك جمعه على غيوبكما لا يضر فيه جمع الماء على المياه وكذا المراد بغيبه جميع غيبه وقد نص عليه عزمي زاده معللا له بكون اسم الجنس المضاف بمنزلة المعرف باللام سيما إذا كان في الأصل مصدرا وعزي إلى شرح المقاصد ما يقتضيه وربما يقال يفهم ذلك أيضا من اعتبار كون الإضافة للعهد وإن المعهود هو الغيب المستغرق أو من اعتبارها للإختصاص وإن الغيب المختص به تعالى بمعنى المختص علمه سبحانه به هو كل غيب واعتناء بشأن الإختصاص جيء بالمظهر موضع المضمر والجملة استئناف لدفع توهم نقص من نفى الدارية والفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب والمراد بالإظهار المنفي الإطلاع الكامل الذي تنكشف به جلية الحال على أتم وجهكما يرشد إليه حرف الإستعلاء فكأنه قيل ما على إذا قلت ما أدري قرب ذلك الموعد الغيب ولا بعده فالله سبحانه وتعالى عالم كل غيب وحده فلا يطلع على ذلك المختص علمه به تعالى اطلاعا كاملا أحدا من خلقه ليكون أليق بالتفرد وأبعد عن توهم مساواة علم خلقه لعلمه سبحانه وإنما يطلع جل وعلا إذا اطلع من شاء على بعضه مما تقتضه الحكمة التي هي مدار سائر أفعاله عز و جل ومانفيت عني العلم مما لم يطلعني الله تعالى عليه لما أن الإطلاع عليه مما لا تقتضيه الحكمة التشريعية التي يدور عليها فلك الرسالة بل هو مخل وإن شئت فاعتبر الجملة واقعة موقع التعليل لنفي الدراية السابقة ولما كان الكلام مما قد يتوهمون منه أنه عليه الصلاة و السلام لم يطلع عليه شيء من الغيب عقب عز و جل الكلام بالإستثناءالمنقطع كما روي في البحر عن ابن عباس الذي هو بمعنى الإستدراك لدفع ذلك على أبلغ وجه حيث عمم الأمر في الرسل المرتضين وأقام كيفية الإظهار مقاما لإظهار مع الإشارة إلى بعض الذي اطلعوا عليه المناسب لمقام الدعوة فقال عز من قائل إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا أي لكن الرسول المرتضي يظهره جل وعلاعلى بعض الغيوب المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا ما إما لكونه من مباديها بأن يكون معجزة وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية وكيفيات الأعمال وأجزيتها ونحو ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها من وظائف الرسالة بأن يسلك من جميع جوانبه عند إطلاعه على ذلك حرسا من الملائكة عليهم السلام يحرسونه من تعرض الشياطين لما أريد اطلاعه اختطافا أو تخليطا ليعلم متعلق بيسلك وعلة له والضمير لمن أي لأجل أن يعلم ذلك المرتضي الرسول ويصدق تصديقا جازما ثابتا مطابقا للواقع إن قد أبلغوا أي الشأن قد أبلغ إليه الرصد وهو من قبيل بنوا تميم قتلوا زيدا فإن المبلغ في الحقيقة واحد معهم وهوجبريل عليه السلام كما هو المشهور من أنه المبلغ من بين الملائكة عليهم السلام إلى الأنبياء رسالات ربهم وهي الغيوب المظهر عليها كما هي من غير اختطاف ولا تخليط وعلى هذا فليكن من مبتدأ وجملة أنه يسلك خبره وجيء بالفاء لكونه اسم موصول وقوله تعالى وأحاط بما لديهم أي بما عند الرصد وأحصي كلشيء أي مما كان ومما سيكون عددا أي فردا فردا حالمن فاعل يسلك بتقدير قد أو بدونه جيء به لمزيد الإعتناء بأمر علمه تعالى بجميع الأشياء وتفرده سبحانه بذلك على أتم وجه بحيث لا يشاركه سبحانه في ذلك الملائكة الذين هم وسائط العلم فكأنه قيل لكن المرتضى الرسول يعلمه الله تعالى بواسطة الملائكة بعض الغيوب مما له تعلقما برسالته والحالأنه تعالى قد أحاط علما بجميع أحوال أولئك