كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
بالهلاك أو تأن وانتظر الأنتقام منهم ولا تستعجل والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن الأخبار بتوليه تعالى لكيدهم بالذات وعدم إهمالهم مما يوجب إهمالهم وترك التصدي لمكايدتهم قطعا ووضع الظاهر موضع الضمير لذمهم بأبي الخبائث وأمها وقيل للأشعار بعلة ما تضمنه الكلام من الوعيد وقوله تعالى أمهلهم بدل من مهل على ما صرح به في الإرشاد وقوله سبحانه رويدا إما مصدر مؤكد لمعنى العامل أو نعت لمصدره المحذوف أي أمهلهم إمهالا رويدا أي قريبا كما أخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أو قليلا كما روي عن قتادة وأخرج ابن المنذر عن السدي أنه قال أي أمهلهم حتى آمر بالقتال ولعله المراد بالإمهال القريب أو القليل واختار بعضهم أن يكون المراد إلى يوم القيامة لأن ما وقع بعد الأمر بالقتال كالذي وقع يوم بدر وفي سائر الغزوات لم يعم الكل وما يكون يوم القيامة يعمهم والتقريب باعتبار أن كل آت قريب وعلى هذا النحو التقليل على أن من مات فقد قامت قيامته والظاهر ما قال السدي وقد عراهم بعد الأمر بالقتال ما عراهم وعدم العموم الحقيقي لآ يضر وهو في الأصل على ما قال أبو عبيدة تصغير رود بالضم وأنشد
كأنها ثمل تمشي على ورد
أي على مهل وقال أبو حيان وجماعة تصغيرا أرواد مصدر رواد يرود بالترخيم وهو تصغير تحقير وتقليل وله في الأستعمال وجهان آخران كونه اسم فعل نحو ريدا زيد أي أمهله وكونه حالا نحو سار القوم رويدا أي متمهلين غير مستعجلين ولم يذكر أحد احتمال كونه اسم فعل هنا وصرح ابن الشيخ بعدم جريانه وعلل ذلك بأن الأوامر كلها بمعنى فكأنه قيل أمهل الكافرين أمهلهم أمهلهم وفائدة التأكيد تحصل بالثاني فيلغو الثالث وفي التعليل نظر فقد يسلك في التأكيد بألفاظ متحدة لفظا ومعنى نحو ذلك ففي الحديث إيما امرأة أنكحت نفسها بدون ولي فنكحها باطل باطل باطل ولا فرق بين الجمل والمفردات نعم هو خلاف الظاهر جدا وجوز رحمه الله كونه حالا أي أمهلهم غير مستعجل والظاهر أنه حال مؤكدة كما في قوله تعالى لا تعثوا في الأرض مفسدين فلا تغفل وهو أيضا بعيد وظاهر كلام أبي حيان وغيره أن الأمر الثاني توكيد للأول قالوا والمخالفة بين اللفظين في البنية لزيادة تسكينه صلى الله تعالى عليه وسلم وتصبيره عليه الصلاة و السلام وإنما دلت الزيادة من حيث الأشعار بالتغاير كأن كلا كلام مستقل بالأمر بالتألي فهو أوكد من مجرد التكرار وقرأ ابن عباس مهلهم بفتح الميم وشد الهاء وموافقة اللفظ الأمر الأول
سورة الأعلى
وتسمى سورة سبح والجمهور على أنها مكية وحكى ابن الفرس عن بعضهم أنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها ورده الجلال السيوطي بما أخرج البخاري وابن سعد وابي أبي شيبة عن البراء ابن عازب قال أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مصعب بن عمير وابن مكتوم فجعلا يقرئانا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في عشرين ثم جاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به عليه الصلاة و السلام حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد جاء فما جاء عليه الصلاة و السلام حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها ثم إن ذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها غير مسلم ولو سلم فلا دلالة فيه على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله وهي تسع عشرة آية بلا خلاف ووجه مناسبتها لما قبلها أنه ذكر في سورة الطارق خلق الإنسان وأشير إلى خلق النبات بقوله تعالى والأرض ذات الصدع وذكرا ههنا في قوله تعالى خلق فسيرى وقوله سبحانه أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى وقصة النبات هنا أوضح وأبسط كما أن قصة خلق الإنسان