كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

والغضارة كأنه قيل إن يتم رفيقه وغضارته يصير غثاء ومع هذا هو خلاف الظاهر وهذه الأوصاف على ما قيل يتضمن كل منها التندريج ففي الوصف بها تحقيق لمعنى التربية وهي تبليغ الشيء كماله شيئا فشيئا وقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى بيان لهدايته تعالى شأنه الخاصة برسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أثر بيان هدايته عز و جل العامة لكافة مخلوقاته سبحانه وهي هدايته عليه الصلاة و السلام لتلقي الوحي وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين وتوفيقه صلى الله تعالى عليه وسلم لهداية الناس أجمعين والسين إما للتأكيد وإما لأن المراد اقراء ما أوحي إليه صلى الله تعالى عليه وسلم حينئذ وما سيوحي إليه عليه الصلاة و السلام بعد فهو وعد كريم باتمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء وإسناد الإقراء إليه تعالى مجازي أي سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسان جبريل عليه السلام فإنه عليه السلام الواسطة في الوحي على سائر كيفياته فلا تنسى أصلا من قوة الحفظ والأتقان مع أنك أمي لم تكن تدري ما الكتاب وما القراءة ليكون ذلك لك آية مع ما في تضاعيف ما تقرؤه من الآيات البينات من حيث الإعجاز ومن حيث الإخبار بالمغيبات وجوز أن يكون المعنى سنجعلك قارئا بإلهام القراءة أي في الكتاب من دون تعليم أحدكما هو العادة فقد روي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة و السلام كان يقرأ الكتابة ولا يكتب ويكون المراد بقوله تعالى فلا تنسى نفي النسيان مطلقا عنه عليه الصلاة و السلام ومتنانا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه أوتي قوة الحفظ وفيه أنه مع كونه خلاف المأثور عن السلف في الآية تأباه فاء التفريع وجوز أيضا أن يكون المراد نفي نسيان المضمون أي سنقرئك القرآن فلا تغفل عنه فتخالفه في أعمالك ففيه وعد بتوفيقه عليه الصلاة و السلام لالتزام ما فيه من الأحكام وهو كما ترى وقيل فلا تنسى نهي والألف لمراعاة الفاصلة كما في قوله تعالى وأضلونا السبيلا وفيه أن النسيان ليس بالأختيار فلا ينهى عنه إلا أن يرلااد مجازا ترك أسبابه الأختيارية أو ترك العمل بما تضمنه المقرأ وفيه ارتكاب تكلف من غير داع وأيضا رسمه بالياء يقتضي أنها من البنية لا للإطلاق وكون رسم المصحف مخالفا تكلف أيضا نعم قيل رسمت ألف الإطلاق ياء لموافقة غيرها من الفواصل وموافقة أصلها مع أن الإمام المرزوقي صرح بأنه عند الإطلاق ترد المحذوفة وقيل هو نهي لكن لم تحذف الألف فيه إذ قد لا يحذف الجازم حرف العلة وحسن ذلك هنا مراعاة الفاصلة وفيه أيضا ما فيه والهون للطالب معنى النهي أن يقول هو خبر أريد به النهي على أحد التأويلين السابقين آنفا إلا ما شاء الله استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى أصلا مما سنقرئكه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه قيل أي أبدا قال الحسن وقتادة وغيرهما وهذا مما قضى الله تعالى نسخه وأن يرتفع حكمه وتلاوته والظاهر أن النسيان على حقيقته وفي الكشاف أي إلا ما شاء الله فذهب به عن حفظك برفع حكمه وتلاوته وجعل النسيان عليه بمعنى رفع الحكم والتلاوة وكناية عنه لأن ما رفع حكمه وتلاوته يترك فينسى فكأنه قيل بناء على إرادة المعنيين في الكنايات سنقرئك القرآن فلا تنسى شيئا منه ولا يرفع حكمه وتلاوته إلا ما شاءالله فتنساه ويرفع حكمه وتلاوته أو نحو هذا وأنا لا أرى ضرورة إلى اعتبار ذلك والباء في برفع الخ للسببية والمراد إما بيان السبب العادي البعيد للذهاب الله تعالى به عن الحفظ فإن رفع الحكم والتلاوة يؤدي عادة في الغالب إلى ترك التلاوة لعدم التعبد بها وإلى عدم إخطاره في الباء لعدم بقاء حكمه وهو يؤدي عادة في الغالب أيضا إلى النسيان أو بيان السبب الدافع لستبعاد الذهاب به عن حفظه عليه الصلاة والصلام وهو كالسبب المجوز لذلك وأيا ما كان فلا حاجة إلى جعل معنى فلا تنسى فلا تتركط تلاوة شيء منه والعمل به فتأمل ثم إنه لا يلزم من كون ما شاء الله تعالى نسيانه مما قضى سبحانه أن يرتفع

الصفحة 105