كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

حكمه وتلاوته أن يكون كل ما ارتفع وتلاوته قد شاء الله تعالى نسيان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له من ذلك ما يحفظه العلماء إلى اليوم فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات الحديث وكونه صلى الله تعالى عليه وسلم نسي الجميع بعد تبليغه وبقي ما بقي عند بعض من سمعه منه عليه الصلاة و السلام فنقل حتى وصل إلينا بعيد وإن أمكن عقلا وقيل كان صلى الله تعالى عليه وسلم يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل عليه السلام فقيل لا تعجل فإن جبريل عليه السلام مأمور أن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه ثم لا تنساه إلا ما شاء الله تعالى ثم تذكره بعد النسيان وأنت تعلم أن الذكر بعد النسيان وإن كان واجبا إلا أنالعلم به لا يستفاد من هذا المقام وقيل أن الأستثناء بمعنى القلة وهذا جار في العرف كأنه قيل إلا ما لا يعلم لأن المشيئة مجهولة وهو لا محالة أقل من الباقي بعد الأستثناء فكأنه قيل فلا تنسى شيئا إى شيئا قليلا وقد جاء في صحيح البخاري وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة وكانت صلاة الفجر فحسب أبى أنها نسخت فسأله عليه الصلاة و السلام فقال نسيتها ثم أنه عليه الصلاة و السلام لا يقر على نسيانه القليل أيضابل يذكره الله تعالى أو ييسر من يذكره ففي البحر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين سمع قراءة عباد بن بشير لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا وقيل الأستثناء بمعنى القلة وأريد بها النفي مجازا كما في قولهم قل من يقول كذا قيل والكلام عليه من باب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفيهم
البيت والمعنى فلا تنسى إلا نسيانا معدوما وفي الحواشي العصامية على أنوار التنزيل أن الأستثناء على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه وقد يقال الأستثناء من أعم الأوقات فلا تنسى في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئة الله تعالى نسيانك لكنه سبحانه لا يشاء وهذا كما قيل في قوله تعالى في أهل الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك وقد قدمنا ذلك وإلى هذا ذهب الفراء فقال أنه تعالى ماشاء أن ينسى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا إلا أن المقصود من الأستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصيره عليه الصلاة و السلام ناسيا لذلك لقدر عليه كما قال سبحانه ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم إنا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك وقال له صلى الله تعالى عليه وسلم لئن أشركت ليحبطن عملك مع أنه عليه الصلاة و السلام لم يشرك البتة وبالجملة ففائدة هذا الأستثناء أن يعرفه الله تعالى قدرته حتى يعلم ص - أن عدم النسيان من فضله تعالى وإحسانه لا من قوته أي حتى يتقوى ذلك جدا أو ليعرف غيره ذلك وكأن نفي أن يشاء الله تعالى نسيانه عليه الصلاة و السلام معلوم من خارج ومنه آية لا تحرك به لسانك لتعجل به الآية وقد أشار أبو حيان إلى ما قاله الفراء وإلى الوجه الذي قبله وأباهما غاية الإباء لعدم الوقوف على حقيقتهما وقال لا يبتغي أن يكون ذلك في كلام الله تعالى بل ولا في كلام فصيح وهو مجازفة منه عفا الله تعالى عنه ثم أن المراد من نفي نسيان شيء من القرآن نفي النسيان التام المستمر مما لا يقر عليه صلى الله تعالى عليه وسلم كالذي تضمنه الخبر السابق ليس كذلك وقد ذكروا أنه عليه الصلاة و السلام لا يقر على النسيان فيما كان من أصول الشرائع والواجبات وقد يقر على ما ليس منها أو منها وهو من الآدابل والسنن ونقل هذا عن الإمام الرازي عليه الرحمة فليحفظ والألتفات إلى الأسم الجليل على سائر الأوجه لتربية المهابة والإيذان بدوران المشيئة على عنوان الألوهية المستتبعة لسائر الصفات وربط الآية بما قبلها على الوجه الذي ذكرناه هو الذي اختاره في الإرشاد وقال أبو حيان أنه سبحانه لما أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بالتسبيح وكان لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يتفكر في نفسه مخافة أن ينسى أزال سبحانه عنه ذلك بأنه عز و جل يقرئه وأنه لا ينسى إلا

الصفحة 106