كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
لا يجب عليه تكرير التذكير على من علم أنه مطبوع على قلبه فالشرط على هذا على حقيقته وقيل أنه ليس كذلك وإنما هو استبعاد النفع بالنسبة إلى هؤلاء المذكورين نعيا عليهم بالتصميم كأنه قيل افعل ما أمرت به لتؤجر وإن لم ينتفعوا به وفيه تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم ورجح الأول بأن فيه إبقاء الشرط على حقيقته مع كونه أنسب بقوله تعالى سيذكر من يخشى أي سيذكر بتذكيرك من من شأنه أن يخشى الله تعالى حق خشيته أو من يخشى الله تعالى في الجملة فيزداد ذلك بالتذكير فيتفكر في أمر ما تذكره به فيقف على حقيقته فيؤمن به وقيل إن إن بمعنى إذ كما في قوله تعالى وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين أي إذ كنتم لأنه سبحانه لم يخبرهم بكونهم الأعلون إلا بعد إيمانهم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في زيادة أهل القبور وأنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون وأثبت هذا المعنى لها الكوفيون احتجاجا بما ذكر ونظائره وأجاب النافون عن ذلك بما في المغنى وغيره وقيل هي بمعنى قد وقد قال بهذا المعنى قطرب وقال عصام الدين المردا أن التذكير ينبغي أن يكون بما يكون مهما لمن له التذكير فينبغي تذكير الكافرين بالإيمان إلا بالفروع كالصلاة والصوم والحج إذ لا تنفعه بدون الإيمان وتذكير المؤمن التارك للصلاة بها دون الإيمان مثلا وهكذا فكأنه قيل ذكر كل واحد بما ينفعه ويليق به وقال الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي الكلام على الأكتفاء والأصل فذكر أن نفعت الذكر وإن لم تنفع كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر والظاهر أن الذين لا يقولون بمفهوم المخافة سواء كان مفهوم الشرط أو غيره لا يشكل عليهم أمر هذه الآية كما لا يخفى ويتجنبها أي ويتجنب الذكرى ويتحاماها الأشقى وهو الكافر المصر على إنكار المعاد ونحوه الجازم بنفي ذلك مما يقتضي الخشية بوجه وهو أشقى أنواع الكفرة وقيل المراد الكافر المتوغل في عداوة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم كالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وقد روي أن الآية نزلت فيهما فإنه أشقى من غير المتوغل وقيل المراد به الكافر مطلقا فإنه أشقى من الفاسق وقيل المفضل عليه كفرة سائر الأمم فإنه حيث كان المؤمن من هذه الأمة أسعد من مؤمنيهم كان الكافر منها أشقى من كافريهم والأوجه عندي في المراد بالأشقى ما تقدم الذي يصلى النار الكبرى أي الطبقة السفلى من أطباق النار كما قال الفراء ولا بعد في تفاضل نار الآخرة وكون بعض منها أكبر من بعض وأشد حرارة وقال الحسن الكبرى نار الآخرة والصغرى نار الدنيا ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا ناركم هذه جزء منسبعين جزءا من نار جهنم وفي رواية للإمام أحمد عنه مرفوعا أيضا إن هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم فلعل السبعين وارد مورد التكثير وهو كثير ثم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى أي حياة تنفعه وقيل إن روح أحجدهم تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسد فيحيا وهو غير غني عن التقييد بنحو حياة كاملة على أنه بعد لا يخلو عن بحث وثم للتراخي في الرتبة فإنهذه الحالة أفظع وأعظم من نفس المصلي وقال عصام الدين يحتمل أن يكون هذا الكلام كناية عن عدم النجاة لأن النجاة عن العذاب إنما يكون بالعمل في دار يموت فيها العامل ويحيا والنظم أقرب إلى هذا المعنى كيف واللائق بالمعنى السابق ثم لا يكون ميتا فيها ولا حيافتأمل انتهى وفي كون اللائق بالمعنى السابق ما ذكره دون ما في النظم الجليل منع ظاهر والظاهر أنه لائق به مع تضمنه رعاية الفواصل وكذا في توجيه كون ما ذكر كناية عن عدم النجاة خفاء وكأنه لذلك أمر بالتأمل وقد يقال إن مثل ذلك الكلام يقال لمن وقع في شدة واستمرفيها فلا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى خلودهم في العذاب وأمر التراخي الرتبي عليه ظاهر أيضا لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها وصليها واعلم أن عدم الموت في النار على ما صرح به غير واحد مخصوص بالكفرة وأما عصاة المؤمنين الذين يدخلونها