كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
متسلطا إيذانا بأن ذلك من قبله عز و جل حتى كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لا دخل له فيه وقال عصام الدين في كون الأستثناء سنقطعا أشكال لأن المستثنى المنقطع هو المذكور بعدا لا غير مخرج عن متعدد قبله لعدم دخوله فيه مخالف له في الحكم وليس من تولى وكفر خارجا عن قوله تعالى عليهم وليس حكمهم مخالفا له ثم أجاب بأن الأستثناء المنقطع قد يكون لدفع توهم ناشيء مما سبق من غير أن يخالف المستثني منه في الحكم فالجواب ذكر حكم له ليعلم أنه ليس حكمه مخالفا لحكم المستثنى منه فكأنه ههنا لدفع توهم التعذيب فتأمل وجوز كون الأستثناء متصلا من قوله تعالى فذكر ومن موصولة لا غير والمراد بالعذاب استحقاق العذاب أي فذكر إلا من انقطع طعمك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر وقوله إنما أنت على هذا اعتراض ورجح الأنقطاع بأن ابن عباس وزيد بن علي وقتادة وزيد بن أسلم قرؤا ألا حرف تنبيه واستفتاح وقوله تعالى إن إلينا إيابهم تعليل لتعذيبه تعالى إياهم بالعذاب الأكبر وإياب مصدر آب أي رجع أي إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالا ولا اشتراكا وجمع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كما أن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها وقرأ أبو جعفر وشيبة إياهم بتشديد الياء قال البطليموسي في كتاب المثلثات هذه القراءة تحتمل تأويلين أحدهما أن يكون إياب بالتشديد فعالا من أوب على زنة فعل ككذب كذابا وأصله أواب فلم يعتد بالواو الأولى حاجزا لضعفها بالسكون فأبدل من الواو الثانية ياء لانكسار الهمزة فصار في التقدير أو يابا ثم قبلت الأولى ياء أيضا لاجتماع ياء وواو وسكون أحدهما ولأن الواو الأولى إذا لم تمنع من انقلاب الثانية فهي أجدر بالأنقلاب والثاني أن يكون فيعالا وأصله أيوابا فاعل إعلال سيد وفعله على أيب على وزن فيعل كحوقل حيقالا من الأياب وأصله أيوب فاعل كما ذكرنا والوجه الأول أقيس لأنهم قالوا في مصدره التأوب والتفعيل مصدر فعل لا فيعل ومع ذلك فقد قالوا هو سريع الأوبة والأيبة فكأنهم آثروا الياء لخفتها انتهى وقد ذكر هذين الوجهين الزمخشري إلا أنه في الأول منهما يجوز أن يكون أصله أوابا فعالا من أوب ثم قيل أيوابا كديوان في دوان ثم فعل به ما فعل بأصل سيد وظاهره أن الواو الأولى هي التي قلبت أولا ياء واعترض بأن المقرر أن الواو الأولى إذا كانت موضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسورا لا تقلب ياء لأجل الكسر كما في أخرواط مصدر أخروط وإن ديوانا إذا كان مذكورا للقياس عليه لا للتنظير لا يصلح لذلك لنصهم على شذوذه وكأن البطليموسي عدل إلى ما عدل لذلك وفي الكشف لو جعل مصدر فاعل من الأوب فقد جاء فيه فيعال حتى قال بعضهم إن فعالا مخفف عنه لكان أظهر لأن فيعل لا يثبت إلا بثبت والأول كالمنقاس ومعنى الفاعلة حينئذ إما المبالغة وإما مسابقة بعضهم بعضا في الأوب وأما جعله فعالا على ما قرر الزمخشري فأبعد إلى آخر كلامه وكونه من فاعل جوزه ابن عطية أيضا لكنه قال ويصح أن يكون من آوب فيجيء أيوابا سهلت همزته وكان اللازم في الإدغام يردها أوابا لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس فاعترضه أبو حيان بأن قوله وكان اللازم الخ ليس بصحيح بل اللازم إذا اعتبر الإدغام أن يكون إيابا لأنه قد اجتمعت ياء وهي المبدلة من الهمزة بالتسهيل وواو وهي عين الكلمة واحداهما ساكنة فتقلب الواو ياء وتدغنم فيها الياء فيصير إيابا فلا تغفل ثم إن علينا حسابهم في المحشر لا على غيرنا وثم للتراخي الرتبي لا الزماني فإن الترتيب الزماني بين إيابهم وحسابهم لا بين كون إيابهم إليه تعالى وحسابهم عليه سبحانه فإنهما أمران مستمران وفي تصدير الجملتين بأن وتقديم خبرها والإتيان بضمير العظمة وعطف الثانية على الأولى بثم المفيدة لبعد منزلة الحساب في الشدة من الأنباء عن غاية السخط الموجب لشديد العذاب ما لا يخفى وفي الآية رد على كثير من الشيعة حيث زعموا أن حساب الخلائق على الأمير