كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
من والعذاب بمعنى المعذب به والمراد بذلك ما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السورة الكريمة والسوط في الأصل مصدر من ساط يسوط إذا حلط قال الشاعر أحارث أنا لو تياط دماؤنا
تزايلن حتى لا يمس دم دما وشاع في الجلد المضفور والذي يضرب به وسمى به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض أو لأنه يخلط اللحم بالدم والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته وتتابعه واستمراره فإنه عبارة عن إراقة شيء مائه أو جار مجراه في السيلان كالحبوب والرمل وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته إلى السوط مع أنه على ما سمعت ليس من هذا القبيل باعتبار تشبيه في سرعة نزوله بالشيء المصبوب وتسمية ما أنزل سوطا قيل للإيذان بأنه على عظمة بالنسبة إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط بالنسبة إلى سائر ما يعذب به أفي الكشف أن إضافة السوط إلى العذاب تقليل لما أصابهم منه ولا يأبى ذلك التعبير بالصب المؤذن بالكثرة لأن القلة والكثرة من الأمور النسبية وجوز أن يراد بالعذاب التعذيب والإضافة حينئذ على معنى اللام وأمر التعبير بالصب والتسمية بالسوط على ما تقدم والآية من قبيل قوله تعالى فأذاقهم الله لباس الجوع وجوز أن تكون الأضافة كالأضافة في لجين الماء أي فصب عليهم ربك عذابا كالسوط على معنى أنواعا من العذاب مخلوطا بعضها ببعض اختلاط طاقات السوط بعضها ببعض وأن يكون السوط مصدرا بمعنى المفعول والإضافة كالأضافة في جرد قطيفة أي فصب عليهم ربك عذابا مسوطا أي مخلوطا ومآله فصب أنواعا من العذاب خلط بعضها ببعض وفي الصحاح سوط عذاب أي نصيب عذاب ويقال شدته لأن العذاب قد يكون بالسوط وأراد أن الغرض التصوير والأليق بجزالة التنزيل ما تقدم إن ربك لبالمرصاد تعليل لما قبله وإيذان بأن كفار قومه صلى الله تعالى عليه وسلم سيصيبهم مثل ما أصاب أضرابهم المذكورين من العذاب كما ينبيء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة و السلام والمرصاد المكان الذي يقوم به الرصد ويترقبون فيه مفعال من رصده كالميقات من وقته وفي الكلام استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظا لأعمال العصاة على ما روي عن الضحاك مترقبا لها ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه سبحانه أحد منهم بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فيوقع به ما يريد ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر والآية على هذا وعيد للعصاة مطلقا وقيل هي وعيد للكفرة وقيل وعيد للعصاة ووعد لغيرهم وهو ظاهر قول الحسن أي يرصد سبحانه أعمال بني آدم وجوز ابن عطية كون المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان وتعقبه أبو حيان بأنه لو كان كما زعم لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة وأجيب بأنها على ذلك تجريدية نعم يلزمه إطلاق المرصاد على الله عز و جل وفيه شيء وقوله تعالى فأما الإنسان الخ متصل بما عنده كأنه قيل أنه سبحانه لبالمرصاد من أجل الآخرة فلا يطلب عز و جل إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها فإن نال منها شيئارضي وإلا سخط وكان اللائق أن لا يهمه إلا ما يطلبه الله عز و جل ولا يكون حاله ذلك وقيل هو متصل به متفرع عليه على معنى فالإنسان يؤاخذ لا محالة لأنه بين غني مهلك موجب للتكبر والأفتخار بالدنيا وبين فقر لا يصبر عليه ويكفر لأجله بالجزع والقول بما لا ينبغي وهو كما ترى إذا ما بتلاه ربه أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ليرى هل يشكر أم لا والفاء في قوله سبحانه فأكرمه ونعمه تفسيرية فإن الإكرام والتنعيم عين المراد بالأبتلاء ولما كان الإكرام والتنعيم في حكم شيء واحد اقتصر على قوله كرمن في قوله سبحانه فيقول ربي أكرمن ولم يضم إليه ونعمتي وهذه الجملة خبر للمبتدأ الذي هو الإنسان والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف أعني إذا متعلق بيقول وهو