كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه وخالفهم في ذلك الرضي ومن تبعه كالبدر الدماميني في شرح المغنى فقالوا إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه من الأغراض فإن كان ثمت فاصل آخر امتنعتقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جاز أما طعامك فزيد آكل وقالوا في ذلك أنهم لما التزموا حذف لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد فيه فيجب الأقتصار عليه وزعم الجلبي محشي المطول إن هذا متفق عليه فرد به على المفسرين أعرابهم السابق أنه خطأ والصواب أن يجعل الظرف متعلقا بمقدر وهو المبتدأ في الحقيقة والتقدير فأماشأن الإنسان إذا الخ فالظرف من تتمة الجزء المفصول وبه ليس فاصلا ثانيا كقولك أما إحسان زيد إلى الفقير فحسن ويرد على تقديره أنه لآ يصح وقوع جملة يقول خبرا عن الشأن إلا بتعسف كان يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
وهو فرار من السحاب إلى الميزاب وذهب أبو البقاء إلى أن إذا شرطية وقوله تعالى فيقول جوابها والجملة الشرطية خبر الإنسان ويلزمه حذف بدون القول وقد قيل أنه ضرورة وقوله عز و جل وأما إذا ما ابتلآه عامله معاملة من يبتليه ويختبره بالحاجة والفقير ليرى هل يصبر أم لا فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن بتقدير وأما هو أي الإنسان إذا ما ابتلاه الخ ليصح التفصيل ويتم التوازن وبقية الكلام فيه كما في سابقه والظاهر أن كلتا الجملتين متضمنة لأنكار قفول الإنسان الذي تضمنته وإنكار قوله إذا ضيق عليه رزقه ربي أهانن لدلالته على قصور نظره وسوء فكره حيث حسب أن تضييق الرزق إهانة مع أنه قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولعدم كونه إهانة أصلا لم يقل سبحانه في تفسير الأبتلاء فأهانه وقدر عليه رزقه نظير ما قال سبحانه أولا فأكرمه ونعمه وإنكار قوله إذا أكرم ربي أكرمني مع قوله تعالى فأكرمه أولا من حيث أنه إكرام الله تعالى له على خلاف ما أثبت الله تعالى وهو قصد أن الله تعالى أعطاه ما أعطاه إكراما له مستحقا ومستوجبا قصدا جاريا على ما كانوا عليه من افتخارهم وزعمهم جلالة أقدارهم والحاصل أن المنكر كونه عن استحقاق لحسب أو نسب في المفصل ما يدل على أن أصل الإكرام منكر لا كونه عن استحقاق وإمكار أصل الإهانة يعضده ووجهه ما أثبته تعالى من الإكرام أن الله عز و جل أثبت الإكرام بإيتاء المال والتوسعة وهو جعله إكراما كليا مثبتا للزلفى عنده تعالى فأنكر أنه ليس من ذلك الإكرام في شيء وجوز أن يكون الإنكار للإهانة فقط يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وإكرم به اعترف بتفضل الله تعالى وإكرامه وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هوانا وليس به قيل ويعضده ذكر الإكرام في قوله تعالى فأكرمه وفي الآية مع ما بعد شمة من أسلوب قوله تعالى أن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ولا يخفى أن الوجه هو الأول وقرأ ابن كثير أكرمني وأهانني بإثبات الياء فيهما ونافع بإثباتها وصلا وحذفها وفقا وخير في الوجهين أبو عمرو وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا من حذفها وقفا سكن النون فيه وقرأ أبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه وابن عامر فقدر بتشديد الدال للمبالغة كلا ردع للإنسان عن قوليه المحكيين وتكذيب له فيهما لا عن الأخير فصط كما في الوجه الأخير وقد نص الحسن على ماقلنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المعنى لم أبتله بالغنى لكرامته علي

الصفحة 126