كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ولم أبتله بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر وقوله سبحانه بل لا تكرمون اليتيم الخ انتقال وترق من ذمه بالقبيح من القول إلى الأقبح من الفعل والألتفات إلى الخطاب لتشديد التقريع وتأكيد التشنيع وهو بتقدير قل فلا التفات نعم فيه من الإشارة إلى تنقيصهم ما فيه والجمع باعتبار معنى الإنسان إذ المراد هو الجنس أي بل لكم أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر وأدل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله تعالى بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة به والإحسان إليه وفي الحديث أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه ينيم مكرم وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمرو لا يكرمون بياء الغيبة ولا تحاضون بحذف إحدى التاءين من تتحاضون أي ولا يحض ويحث بعضكم بعضا على طعام المسكين أي على إطعامه فالطعام مصدر بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء وزعم أبو حيان أن الأولى أن يراد به الشيء المطعوم ويكون الكلام على حذف مضاف أي على بذل طعام المسكين والمراد بالمسكين ما يعم الفقير وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن علي وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي كقراءة الجماعة إلا أنهم ضموا تاء تحاضون من المحاضة وقرأ أبو عمرو ومن سمعت الحسن ومن معه ولا يحضون بياء الغيبة ولا ألأف بعد الحاء وباقي السبعة بتاء الخطاب كذلك وكذا الفعلان بعد والفعل على القراءتين جوز أن يكون متعديا ومفعوله محذوف فقيل أنفسهم أو أنفسكم وقيل أهليهم أو أهليكم وقيل أحدا وجوز وهو الأولى أن يكون منزلا منزلة اللازم للتعميم وتأكلون التراث أي الميراث وأصله وارث فأبدلت الواو تاء كما في تخمة وتكأة ونحوهما أكلا لما أي ذا لم أو هو نفس اللم على المبالغة واللم الجمع ومنه قول النابغة ولست بمستبق أخالا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب والمراد به هنا الجمع بين الحلال والحرام وما يحمد وما لا يحمد ومنه قول الحطيئة إذا كان لما يتبع الذم ربه
فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا يعني أنكم تجمعون في أكلكم بين نصيبكم من الميراث ونصب غيركم ويروى أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد فيأكلون نصيبهم ويقولون لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمي الحوزة هذا وهم يعلمون من شريعة إسماعيل عليه السلام أنهم يرثون فاندفع ما قيل أن السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا يعلم الحلو الحرمة إلا من الشرع فإن الحسن والقبح العقلين ليبسا مذهبا لنا وقيل يعني تأكلون ما جمعه الميت المورث من حلال وحرام عالمين بذلك فتلمون في الأكل بين حلاله وحرامه وفي الكشاف يجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلامن غير أن يعرق فيه جبينه فيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه ونحوها كما يفعله الوارث البطالون وتعقب بأنه غير مناسب للسياق وتحبون المال حبا جما أي كثيرا كما قال ابن عباس وأنشد قول أمية إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألما والمراد أنكم تحبونه مع حرص وضره كلا ردع لهم عن ذلك وقوله تعالى إذا دكت الأرض دكا دكا إلى آخره استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للردع والدك قال الخليل كسر الحائط والجبل ونحوهما وتكريره للدلالة على الإستيعاب فليس الثاني تأكيد للأول بل ذلك نظير الحال في نحو قولك جاؤا رجلا رجلا وعلمته الحساب بابابابا أي