كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

إذا دكت الأرض دكا متتابعا حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور وغيرها حين زلزلت المرة بعد المرة وصارت هباء منثورا وقال المبرد الدك حط المرتفع بالبسط والتسوية وندك سنام البعير إذا انقرش في ظهره وناقة دكاء إذا كانت كذلك والمعنى عليه إذا سويت تسوية بعد تسوية ولم يبق على وجهها شيء حتى صارت كالصخرة الملساء وأيا ما كان فهو على ما قيل عبارة عما عرض للأرض عند النفخة الثانية وجاء ربك قال منذر بن سعيد معناه ظهر سبحانه للخلق هنالك وليس ذلك بمجيء نقلة وكذلك مجيء الطامة والصاخة وقيل الكلام على حذف المضاف للتهويل أي وجاء ربك وقضاؤه سبحانه واختار جمع أنه تمثيل لظهور آيات اقتداره تعالى وتبين آثار قدرته عز و جل وسلطانه عز سلطانه مثلت حاله سبحانه في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر لمحضوره من آثار الهيبة والسيامة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم وأن تتعلم ما للسلف في المتشابه من الكلام والملك أي جنس الملك فيشتمل جمع ملائكة السماوات عليهم السلام صفاصفا أي مصطفين أو ذوي صفوف فإنه قيل ينزل يوم القيامة ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم محدقين بالجن والإنس وقيل يصطفون بحسب أمكنة أمور تتعلق بهم وهو قريب مما ذكر وروي أن ملائكة كل سماء تكون صفا حول الأرض فالصفوف سبعة على ما هو الظاهر وقال بعض الأفاضل الظاهر أنالملك أعلم من ملائكة السماوات وغيرها وتعريفه للأستغراق وادعى أن اصطفافهم بحسب مراتبهم اصطفاف أهل الدنيا في الصلاة وظاهره أنه اصطفاف من غير تحديق ورأيت غير أثر في أنهم يصطفون محدقين وجيء يومئذ بجهنم قيل هو كقوله تعالى وبرزت الجحيم لمن يرى على أن يكون مجيؤها متجوزا به عن إظهارها واختير أنه على حقيقته فقد أخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها وفي رواية بزيادة حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير وجاء في بعض الآثار أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فناجاه ثم قال النبي عليه الصلاة و السلام منكسر الطرف فسأله علي كرم الله وجهه تعالى فقال صلى الله تعالى عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام بهذه الآية كلا إذا دكت الأرض الآية فقال له علي كرم الله تعالى وجهه كيف يجاء فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يقوده سبعون ألف ملك فبينما هم كذلك غذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلو لا أنهم أدركوا فأخذوها لأحرقت من في الجمع وفي رواية لو لا أن الله تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض وتأويل كل ما ذكر ونحوه مما ورد وحمله على المجاز لا يدعو إليه إلا استحالة الأنتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري غير مستحيل فيجوز أن تخرج وتنتقل من محلها في المحشر ثم تعود إليه والحال في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان يومئذ بدل من إذا دكت وظاهر كلام الزمخشري أن العامل فيه هو العاملنفسه في المبدل منه أعني قوله تعالى يتذكر الإنسان وهو قول قد نسب إلى سيبويه وفي البحر المشهور خلافه وهو أن البدل على نية تكرار العامل والظاهر عندي الول ويتذكر من الذكر ضد النسيان أي يتذكر الإنسان ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه أو بإحضار الله تعالى إياه في ذهنه وإخطاره له وإن لم يشاهد بعد أثرأ أو بمعاينة عينه بناء على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فتبرز بما يناسبها من الصور حسنا وقبحا أو من

الصفحة 128