كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه حين اشترى بئر رومة وجعلها سقاية للناس وقيل أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وقيل نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله تعالى وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله بعد فتفسير النفس المذكورة بأحد هؤلاء المذكورين كما نقل عن بعض من باب التمثيل وأن صورة السبب قطعية الدخول وينبغي أن يتحمل قول ابن عباس في تلك النفس كما أخرجه عنه ابن مردويه هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على نحو ذلك وأشعرت الآية على بعض أوجهها بأن الأرواح مخلوقة قبل الأبدان ومقرها إذ ذاك في عالم الملكوت والخلاف في المسألة شهير وجمهور المتكلمين على أنها مخلوقة عند استعداد الأبدان لها وكذا أفلاطون وأصحابه وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح وأبو شيخ اليماني في عبدي على الأفراد واستظهر أن المراد الجنس كما في النفس وللسادة الصوفية قدست نفوسهم كلام طويل في تقسيم مراتب النفس وقالوا أن الآية متضمنة لمراتب ثلاث منها المطمئنة والراضية والمرضية وفسروا كلا بما فسروه فمن أراده فليرجع إليه في كتبهم وأنا أقول كما علم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعض الصحابة على ما أخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه اللهم أني أسأنك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك
سورة البلد
مكية في قول الجمهور بتمامها وقيل مدنية بتمامها وقيل مدنية إلا أربع آيات من أولها واعترض كلا القولين بأنه يأباهما قوله تعالى بهذا البلد قيل ولقوة الأعتراض ادعى الزمخشري الأجماع على مكيتها وسيأتي إن شاء الله تعالى أن في بعض الخبار ما هو ظاهر في نزول صدرها بمكة بعد الفتح وهي عشرون آية بلا خلاف ولما ذم سبحانه فيما قبلها من أحب المال وأكل التراث أكلا لما ولم يحض على طعام المسكين ذكر جل وعلا فيها الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة وإطعام في يوم ذي مسغبة وكذا لما ذكر عز و جل النفس المطمئنة هناك ذكر سبحانه ههنا لعض ما يحصل به الأطمئنان فقال عز قائلا بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد أقسم سبحانه بالبلد الحرام أعني مكة فإنه المراد بالمشار إليه بالإجماع وما عطف عليه على الإنسان خلق مغمورا غب مكابدة المشاق ومعاناة الشدائد وقوله تعالى وأنت حل بهذا البلد على ما اختاره في الكشاف اعترض بين القسم وجوابه وفيه تحقيق مضمونه بذكر بعض المكابدة على نهج براعة الأستهلاك وإدماج لسوء صنيع المشركين ليصرح بذمهم على أن الحل بمعنى المستحل بزنة المفعول الذي لا يحترم فكأنه قيل ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمته يستحل بهذا البلد الحرام ولا يحترم كما يستحل الصيد في غير الحرم عن شرحبيل بن سعد يحرمون أن يقتلوا به صيدا ويعضدوا شجره ويستحلون إخراجك وقتلك وفي تأكيد كون الإنسان في كيد بالقسم تثبيت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبعث على أن يطأ من نفسه الكريمة على احتماله فإن ذلك قدر محتوم وجوز أن يكون الحل بمعنى الحلال ضد الحرام قال ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وغيره وأنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به وأما غيرك فلا وقال مجاهد أجله الله تعالى له عليه الصلاة و السلام ساعة من نهار وقال سبحانه له ما صنعتفيه من شيء فأنت في حل

الصفحة 133