كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

والماوردي يحتمل أن يكون الوالد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لتقدم ذكره وما ولد أمته لقوله عليه الصلاة و السلام إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ولقراءة عبد الله وأزواجه أمهاتهم وهو أب ولهم وفي القسم بذلك مبالغة في شرفه عليه الصلاة و السلام وهو كما ترى وقيل المراد كل والد وولده من العقلاء وغيرهم ونسب ذلك لابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق عكرمة عنه أنه قال الوالد الذي يلد وما ولد العاقر الذي لا يلد من الرجال والنساء ونسب إلى ابن جبير أيضا فما عليه نافية فيحتاج إلى تقدير موصول يصح به المعنى الذي أريد كأنه قيل ووالد والذي ما ولد وإضمار الموصول في مثله ولا يجوز عند البصريين ومع هذا هو خلاف الظاهر ولعل ظاهر اللفظ عدم التعيين في المعطوفين وظاهر العطف على هذاالبلد إرادة من له دخل فيه وشهرة بنسبة البلد إليه أو المشهور في ذلك إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتنكير والد على ما اختاره غير واحد للتعظيم وإيثار ما على من بناء على أن المراد بما ولد العاقل لأرادة الوصف فتفيد التعظيم في مقام المدحوإنه مما لا يكتنه كنهه لشدة إبهامها ولذا أفادت التعجب أو التعجيب وإن لم تكن استفهامية كما في قوله تعالى والله أعلم بما وضعت أي أي مولود عظيم الشأن وضعته والتعظيم والتعجيب على تقدير أن يراد بما ولد ذرية آدم عليه السلام مثلا قيل باعتبارالتغليب وقيل باعتبار الكثرة وما خص به الإنسان من خواص البشر كالعقل وحسن الصورة ومن تأمل في شؤن الإنسان من حيث هو إنسان يعلم أنه من تلك الحيثية معظم يتعجب منه لقد خلقنا الإنسان في كبد أي في تعب ومشقة فإنه لا يزال يقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى حين نزعها وما وراءه يقال كبد الرجل كبدا فهو أكبد إذا وجعته كبده وانتفخت فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة لمقاساة الشدائد كما قيل كبته بمعنى أهلكه وأصله كبده إذا أصاب كبده قال لبيد يرثي أخاه يا عين هل بكيت أربد إذ
قمنا وقام الخضوم في كبد أي في شدة الأمر وصعوبة الخطب وعن ابن عمر يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء وعن ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبي صالح والضحاك ومجاهد أنها قالوا أي خلقناه منتصب القامة واقفا ولم نجعله منكبلا على وجهه وقال ابن كسيان أي منتصبا رأسه في بطن أمه فإذا أذن له في الخروج قلب رأسه إلى قدمي أمه وهذه الأقوال كلها ضعيفة لا يعول عليها بخلاف الأول وقد رواه الحاكموصححه وجماعة عن ابن عباس عن غير واحد من السلف نعم جوز أن يكون المعنى لقد خلقناه في مرض شاق وهو مرض القلب وفساد الباطن وهذا على الوجه الثالث من الأوجه الأربعةالسابقة في قوله تعالى لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد والمراد بالأنسان عليه الذين علم الله تعالى منهم حين خلقهم أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات والظاهر أنالمراد على ما عداه جنس الإنسان مطلقا وقال ابن زيد بالإنسان آدم عليه السلام وبالكبد السماء وشاع في وسط السماء كالبيداء والكبيداة والكبداء والكبد بفتح فسكون وليس بشيء أصلا والضمير في قوله تعالى أيحسب على ما عدا ذلك راجع إلى ما دل عليه السياق ممكن يكابد منه صلى الله تعالى عليه وسلم مايكابد من كفار قريش وينتهك حرمة البيت وحرمته عليه الصلاة و السلام وعليه للإنسان والتهديد مصروف لمن يستحقه وقيل على إرادة البعض هو أبو الأشد أسيد بن كلدة الجحمي وكان شديد القوة مغترا بقوته يبسط له الأديم العكاظي فيقوم عليه ويقول من أزالني عنه فله كذا فيجذبن عشرة فينقطع قطعا ويبقى موضع قدميه وقيل عمرو بن عبدود وقيل الوليد بن المغيرة وقيل أبو جهل بن هشام وقيل الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ويجوز أن يكون كل من هؤلاء سبب النزول فلا تغفل وجعل عصام الدين الاستفهام

الصفحة 135