كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
وبنائها وطحوها وتسويتها وتعقبه الومخشري بأنه ليس بالوجه لقوله تعالى فألهمها فجورها وتقواها وما يؤدي إليه من فساد النظم وذلك على ما في الحواشي لما يلزم من عطف الفعل على الأسم وأنه لا يكون له فاعل لا ظاهر وهو ظاهر ولا مضمر لعدم مرجعه واعترض بأن الأخير منتقض بالأفعال السابقة أعني بناها طحاها سواها على أن دلالة السياق في صحة الإضمار وأما الأول ففيه أن عطف الفعل على الأسم ليس بفاسد وإن كان خلاف الظاهر على أنه عطف على ما بعد ما كانه قيل ونفس وتسويتها فألهامها فجورها وتقواها واعترض هذا بأن الفاء يدل على الترتيب من غير مهملة والتيوية قبل نفخ الروح والإلهام بعد البلوغ وأجيب بأن التسوية تعديل الأعضاء والقوى ومنها المفكرة والإلهام عبارة عن بيان كيفية إستعمالها في النجدين في هذا المحل وهو غير مفارق عنه منذ سوى نعم يزداد بحسب ازدياد القوى كيفية لا وجود على أن المهملة في نحوها عرفي وقد يعد متعقبا دون تراخ ثم أنه مشترك الألزام ولا معنى لقول الطيبي النظم السري يوجب موافقة القرائن فلا يجوز وتنفس وتسويتها فألهمها الله فهي حاصلة وإنما ذلك بناء على توهم أن قوله تعالى فألهمها جملة وبالجملة لا يلوح فساد هذا الوجه وأبي القاضي عبد الجبار إلا المصدرية دون المصدرية قال لما يلزم منها الأقسام بغير الله تعالى على إقسامه سبحانه بنفسه عز و جل وأجاب عنه الإمام بأن أعظم المحسوسات الشسمس فذكرها الله تعالى مع أوصافها الدالة على عظمتها ثم ذكر ذاته المقدسة ووصفها جل وعلا بصفات ثلاث ليحظى العقل بإدراك جلال الله تعالى وعظمته سبحانه كما يليق به جل جلاله ولا ينازعه الحس فكان ذلك طريقا إلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات إلى بيداء أو بكبريائه جل شأنه وجوز أن تكون ما عبارة عن الأمر الذي ينيب السماء وطحيت وسويت النفس من الحكم والمصالح التي لا تحصى ويكون إسناد الأفعال إليها مجازا وفاعل ألهمها يجوز أن يكون ذلك أمر ويكون الإسناد مجازا أيضا وهو كما ترى والفجور والتقوى على ما أخرج عبد بن حميد وغيره عن الضحاك المعصية والطاعة مطلقا قلبيين كانا أو قالبيين وألهمهما النفس على ما أخرج هو وابن جرير وجماعة عن مجاهد تعريفهما إياها بحيث تميز رشدها ضلالها وروي ذلك عن ابن عباس كما في البحر وقريب منه قول ابن زيد ألهمها فجورها وتقواها بينهما لها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهما نحوه عن قتادة والآية على ذلك نظير قوله تعالى وهديناه النجدين وقدم الفجور على التقوى لأن إلهامه بهذا المعنى من مباديء تجنبه وهو تخلية والتخلية مقدمة على التحلية وقيل قدم مراعاة للفواصل إلى ضمير النفس قيل إشارة إلى أن الملهم للنفس فجوز وتقوى قد استعدت لهما فهما لها بحكم الأستعداد وقيل رعاية للفواصل أيضا وقوله تعالى قد أفلح من زكيها جواب القسم على ما أخرجه الجماعة عن قتادة وإليه ذهب الزجاج وغيره وحذف اللام كثير لا سيما عند الكلام المقتضي للتخفيف أو لسده مسدها وفاعل زكاها ضمير من والضمير المنصوب للنفس وكذا في قوله تعالى وقد خاب من دسيها وتكرير قد لأبراز الأعتناء بتحقيق مضمونه والإيذان بتعلق القسم به أصالة والتزكية التنمية والتدسية والأخفاء وأصل دسى دسس فأبدل من ثالث التماثلات ياء ثم أبدلت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأطلق بعضهم فقال أبدل من ذلك حرف علة كما قالوا في تقضض تقضي ودسس مبالغة في دس بمعنى أخفى قال الشاعر ودسست عمرا في التراب فأصبحت
حلائله منه أرامل ضيعا وفي الكشاف التزكية الإنماء والإعلاء والتدسية النقص والإخفاء أي لقد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى نفسه وأعلاها بالتقوى علما وعملا ولقد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور