كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

المرجح ورجحه صاحب الانتصاف بأن الضمائر في السماء وما بناها الخ تكون عليه متسقة عائدة كلها إلى الله تعالى وبأن قوله تعالى قد أفلح من تزكى أوفق به لأن تزكي مطاوع زكي فيكون المعنى قد أفلح من زكاه الله تعالى فتزكى ومع هذا كله لا ينبغي أن ينكر أن المعنى هو السابق إلى الذهن وما ذكر من الأخبار ليس نصا في تعيين المعنى الآخر نعم هو نص في تكذيب الومخشري في زعمه أنه من تعكيس القدرية يعني بهم أهل السنة والجماعة فتأمل والطغوى مصدر من الطغيان بمعنى تجاوز الحد في العصيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء بأن قلبوا الياء واوا في الأسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا في الصفة امرأة صديا وخزياوفي الاسم تقوى وطغوى كذا في الكشاف وغيره وكلام الراغب يدل على أن طغى واوي ويأبى حيث قال يقال طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا فلا تغفل والباء عند الجمهور للسببية أي فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمني الخبيث بجرائته على الله تعالى وجعلها الزمخشري للأستعانة والأمر سهل وجوز أن تكون صلة للتكذيب على معنى كذبت بما أوعدت به في لسان نبيها من العذاب ذي الطغوى أي التجاوز عن الحد والزيادة ويوصف العذاب بالطغيان بهذا المعنى كما في قوله تعالى فأهلكوا بالطاغية وقد يوصف بالطغوى مبالغة كما يوصف بسائر المصادر لذلك فلا يكون هناك مضاف محذوف وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة طغواها بضم الطاء وهو مصدر أيضا كالرجعي والحسني في المصادر إلا أنه قيل كان القياس الطغيا كالسقيا لأن فعلى بالضم لا يقرق فيه بين الأسم والصفة كأنهم شذوا فيه فقلبوا الياء واوا وأنت تعلم أن الواو عند من يقول طغوت أصلية إذ انبعث متعلق بكذبت أو بطغوى وانبعث مطاوع بعثه بمعنى أرسله والمراد إذ ذهب لعقر الناقه أشقيها أي أشقي تمود وهو قدار بن سالف أو هو ومن تصدى معه لعقرها من الأشقياء اثنان على ما قال الفراء أو أكثر فإن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث وفضل شقاوتهم على من عداهم لمباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضا به ولخبائث غير ذلك يعلمها الله تعالى فيهم هي فوق خبائث من عداهم فقال لهم أي لثمود أو لأشقانا على ما قيل بناء على أن المراد به جمع ولا يأباه وسقياها كما لا يخفى رسول الله هو صالح عليه السلام وعبر عنه بعنوان الرسالة إيذانا بوجوب طاعته وبيانا لغايه عتوهم وتماديهم في الطغيان وهو السر في إضافة الناقة إليه تعالى في قوله سبحانه ناقة الله وهو نصب على التحذير وشرطه ليس المحذر منه أو كونه محذرا بما يعده فقط ليقال هو منصوب بتقدير ذروا أو احذروا لا على التحذير بلى شرطه ذاك أو العطف عليه كما هنا على ما نص عليه مكي والكلام على حذف مضاف أي احذروا عقر ناقة الله أو بالمعنى على ذلك وإن لم يقدر في نظم الكلام وجوز أن يكون التقدير عظموا أو ألزموا ناقة الله وليس بشيء وسقيها أي واحذروا سقياها فلا تتعرضوا بمنعها عنها في نوبتها ولا تستأثروا بها عليها وقيل الواو للمعية والمراد ذروا ناقة الله مع سقياها ولا تحولوا بينهما وهو كما ترى وقرأ زيد بن علي ناقة الله بالرفع فقيل أي همكم ناقة الله وسقياها فلا تعقروها ولا تستأثروا بالسقيا عليها فكذبوه أي في وعيده إياهم كما حكى عنه بقوله تعالى ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم فالتكذيب لخبر مقدر ويجوز أن يكون لخبر تضمنه الأمر التحذيري السابق وهو الخبر بحلول العذاب إن فعلوا ما حذرهم منه وقيل إن ما قاله لهم من الأمر قاله ناقلا له عن الله تعالى كما يؤذن بذلك التعبير عنه عليه السلام بعنوان الرسالة ومآل ذلك أنه قال لهم أنه قال الله تعالى

الصفحة 145