كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

وما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم
وبحرك ساج لا يواري الدعامصا فالسجو قيل على هذا في الأصل سكون الأمواج ثم عم والمراد بسكون ظلامه عدم تغيره بالأشتداد والتنزل أي فيما يحس ويظهر وذلك إذا كمل حساب وصول الشمس إلى سمت القدم وقبيله وبعيده وصرح باعتبار الأشتداد ابن الأعرابي حيث قال سجا الليل اشتد ظلامه وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن جبير أنه قال أي إذا أقبل فغطى كل شيء وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس تفسير سجا بدون ذكر التغطية وأخرجاهما وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا أنه قال سجا إذا ذهب وكلا التفسيرين خلاف المشهور وشاع ليل ساكن أو ساج لما لا ريح فيه ووصفه بذلك أعني السكون قيل على الحقيقة كما إذا قيل ليل لاريح فيه ولا يقالأن الساكن هو الريح بالحقيقة لأن السكون عليها حقيقة محال لأنه هواء متحرك ثم أنهم يقولونه لما لا ريح فيه لا لما سكن ريحه والتحقيق أن يقال أن السكون على تفسيريه أعني عدم الحركة عما من شأنه الحركة أو كونين في حيز واحد لا يصح على الليل لأنه زمان خاص لكن لما كان سكون الهواء بمنزلة عدم له في العرف العامي لعدم الإحساس أو لتضمنه عدم الريح لا الهواء قيل ليل ساج وساكن وصف الليل على الحقيقة أي لا إسناد فيه إلى غير ملائم على أنه يحتمل أن يجعل السكون بهذا المعنى حقيقة عرفية وجوز حمل ما في الآية على هذا الشائع ولعل التقييد بذلك لأن الليل الذي لا ريح فيه أبعد عن الغوائل وقد ذكر بعض الفقهاء أن الريح الشديدة ليلا عذر من أعذار الجماعة ونقل عن قتادة ومقاتل أن المراد بالضحى هو الضحى الذي كلم الله تعالى فيه موسى عليه السلام وبالليل ليلة المعراج ومن الناس من فسر الضحى بوجهه ص - والليل بشعره عليه الصلاة و السلام كما ذكر الإمام وقال لا استبعاد فيه وهو كما ترى ومثله ما قيل الضحى ذكور أهل بيته عليه الصلاة و السلام إناثهم وقال الإمام يحتملأن يقال الضحى رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم والليل زمان احتباس الوحي فيه لأن في حال النزول حصل الأستئناس وفي زمان الأحتباس حصل الأستيحاش أو الضحى نور علمه تعالى الذي يعرف المستور من الغيوب والليل عفوه تعالى الذي به يستر جميع العيوب أو الضحى إقبال الإسلام بعد أن كان غريبا والليل إشارة إلى أنه سيعود غريبا أو الضحى كمال العقل والليل حال الموت أو الضحى علانيته عليه الصلاة و السلام التي لا يرى الخلق عليها عيبا والليل سره صلى الله تعالى عليه وسلم لا يعلم عالم الغيب عليها عيبا انتهى ولا يخفى أنه ليس من التفسير في شيء وباب التأويل والإشارة يدخل فيه أكثر من ذلك وتقديم الضحى على الليل بناء على ما قلنا أول الرعاية شرفه لما فيه من ظهور زيادة النور وللنور شرف ذاتي على الظلمة لكونه وجوديا أو لكثرة منافعه أو لمناسبته لعالم الملائكة فإنها نورانية وتقديم الليل في السورة السابقة لما فيه من الظلمة التي هي لعدميتها أصل للنور الحادث بإزالتها لأسباب حادثة وقيل تقديمه هناك لأن السورة في أبي بكر وهو قد سبقه كفر وتقديم الضحى هنا لأن السورة في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو صلى الله تعالى عليه وسلم لم يسبقه ذلك وتخصيصه تعالى الوقتين بالأقسام قيل ليشير سبحانه بحالهما إلى حال ما وقع له عليه الصلاة و السلام ويؤيد عز و جل نفي ما توهم فيه فكأنه تعالى يقول الزمان ساعة فساعة ساعة ليل وساعة نهار ثم تارة تزداد ساعات الليل وتنقص ساعات النهار وأخرى بالعكس فلا الزيادة لهوى ولا النقصان لقلى بل كل لحكمة وكذا أمر الوحي مرة إنزال وأخرى حبس فلا كان الإنزال عن هوى ولا الحبس عن قلى بل كل لحكمة وقيل ليسلي عز و جل بحالهما حبيبه عليه الصلاة و السلام كأنه سبحانه يقول انظر إلى هذين المتجاورين لا يسلم أحدهما من الآخر بل الليل يغلب تارة والنهار أخرى فكيف تطمع أن تسلم من الخلق والقولان مبنيان على أن المراد بالضحى

الصفحة 154